لنتساءل ما هو نهج الحكم الحالي وليس نهج الأفراد الحاكمين؟ وهل اختلف سلوك الدولة عن سلوكها في النظام السابق؟ جميل أن نشعر أن في بلدنا قيادة لا تخذلنا بترددها, والأجمل ألا نصرح بدلا من التخطيط علي أساس حسابات خاطئة لنصبح أضحوكة من يعرف ومن لا يعرف. بعد الفرحة الغامرة التي أستقبل بها الغالبية قرار حظر التجول في مدن القناة لوقف إراقة الدماء والحفاظ علي المنشآت العامة, فوجئنا بتحدي القرار ممن قام بالتخريب في تلك المدن بالدعوة للتجمع وقت حظر التجول بل وبالقيام بأنشطة ترفيهية في ذات الوقت وهو ما يمثل تحديا ليس فقط لسلطة الدولة ولكن لآليات عملها في ذات الوقت! كانت الصورة التي استدعت قرار حظر التجول تمثل تحركا منسقا بين عدة مجموعات في عدة مدن صاحبها عدة دعوات للاستقلال عن سلطة الدولة بدون مبررات سوي تحدي سلطة الدولة الذي أتي رئيسها بصورة شرعية. وبتحليل بسيط لوضع الدولة يمكننا أن نستنتج أن سلطة الدولة التي يتحدونها تتطابق مع توجهاتهم, فالدولة العميقة مازالت تسير بنفس الأسلوب القديم وتتوق لعودة النظام القديم الذي خابرته لعقود رغم صعوباته معها ولكن الجميع كان يجد طريقة ما للالتفاف حول تعقيدات تلك الدولة. الغالبية وللأسف لا تشعر بطهارة الدولة علي مستوي الفرد إلا اذا خابرت ذلك نظريا من خلال الفكر والتعليم وعمليا من خلال المعيشة في دولة متقدمة. والأقلية هي التي تجمع بين الحالتين والنادر من تلك الأقلية الذي يعود ليحاول أن يطبق ذلك في بلده! قضية تحتاج إلي أن نكسر كل القيود التي أتت علي البعض في رحلة الحياة لنحيي طهارة الدولة التي داعبنا أمل إيجادها منذ عامين وتلاشي ثم داعبنا مرة أخري منذ سبعة أشهر واختفي ولكننا نحاول أن نتشبث بصورته حتي لا يتحول إلي كابوس يأتي علي الأخضر واليابس! أستمع بل وأشاهد علي استحياء من خلال شبكة الانترنت وأنا أخط كلماتي المحاضرة الأخيرة عن تحقيق الحلم ومساعدة الآخرين وغيرها من القيم للدكتور راندي باوتش أحد أساتذة الحاسبات في أمريكا والذي ودعته بعدها جامعته بكلمات تأسر القلب حيث أصيب بداء السرطان ولم يتبق له إلا أشهر معدودة قضاها كلها في النصائح العملية للآخرين من خلال أعماله. حقا إنها محاضرة مليئة بالعديد من المواقف التي نتعلم منها الكثير. توقفت أمام جملة نصحته بها سيدة ذكر فضلها عليه, حيث قالت: عندما يتعلق الأمر بالرجال فلا تستمع لكلماتهم بل انتبه لأفعالهم. تذكرت هذا وأنا أحاول التأكد من قرار محافظي محافظات القناة بتقليص ساعات حظر التجول لثلاث أو أربع ساعات تبدأ من الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل والذي وجدته للأسف صحيحا لكنني لم أجد أي حيثيات لذلك سوي عودة الهدوء والانضباط لتلك الأماكن الملتهبة! أعتقد أن المحاضرة بها العديد من النقاط فهي تستحق معاودة المشاهدة! لقد استمعت من التعليقات علي تقليص ساعات حظر التجول لتشمل ساعات ذروة النوم أكثر مما سمعته عن تحدي قرار الحظر, مما جعل الأمر كله ملهاة ضحيتها بعض الأرواح والممتلكات وفوق ذلك هيبة الدولة. ولكن ما هي الدولة التي نتحدث عنها, أهي الدولة العميقة التي لم تتغير أم هي الدولة التي نحلم بها والتي اخترنا رئيسا لها ليحقق لنا ومعنا وبنا الحلم؟ العجيب في الأمر أن أحدا لم يفسر الحلم وتضيع هباء كل محاولات الامساك به علنا ننهض! الأمر المثير في الأحداث الجارية أن الشرطة نزلت للحفاظ علي الأرواح والممتلكات العامة بلا سلاح سوي قنابل الغاز! والأعجب من هذا أن ينطلي علينا استحسان الغرب لهذا الأمر وكأن الفوضي التي يمكن أن تعم أمر جيد, إن كان الخبر صحيحا! العجيب أن الغرب الذي يستحسن هذه الفوضي, والذي استعمل القبضة الحديدية في حوادث لندن ونيويورك, ويستحسن ضرب سوريا بعدما أنهكتها الحرب الأهلية التي تدور رحاها علي أرضها وقلصت من قدراتها. لقد جرب الغرب نظرية الفوضي الخلافة في العراق وها هو يطبقها في أماكن أخري. فهل ننتظر أن يطبقها هنا في مصر بعد أن ينهكها التدمير المادي بعد المعنوي؟ كيف يمكن لعاقل أن ينتظر المخربين يحرقون المحاكم ويهاجمون السجون والأقسام والمقار العامة ولا يسمح للشرطة أن تتصدي لهم؟ وأتساءل أين المباحث والمخابرات المشهود لها بالكفاءة, في معركة تلك المخططات المنشور أغلبها علي شبكات التواصل الاجتماعي؟ لا عذر في تأخر وضع خطة شفافة معلنة لتنمية الوطن تبدأ من هدف قومي يتم إسقاطه علي مختلف مؤسسات وخطط الدولة لنحصل علي تنمية حقيقية, ويتم تنفيذ نماذج مصغرة لآليات تنموية يشعر بها الوطن العادي! أراني أتحسر علي حلم قد يتحول إلي كابوس لن يطيح بالمجموعة الحاكمة وحدها بل بالأمل الذي أتي بعد المسيرة الديمقراطية التي أنتجت الدستور. ورغم أن الدستور واضح في العديد من الجوانب سريعة التطبيق إلا أن تفعيلها علي مستوي آلية الحكم غائب وكأننا نتلكأ كي يصدر القانون ونتلكأ حتي تصدر اللائحة التنفيذية ثم نتلكأ حتي تصدر الموازنة في السنة التالية لنصل في النهاية إلي الكابوس الذي يخشاه الشعب الأصيل وليس الطغمة الفاسدة فكريا وماديا أو المتقاعسة عن أداء واجب الوقت. إن الدولة العادلة أقدس من أي نظام آخر. لقد انتفض الشعب لضياع العدل وها نحن نستمر في نفس الأسلوب. لم نجد تعديلا للقوانين التي تصطدم بالعدل بيمكن ويجوز وغيرها من العبارات المطاطة التي تعطي للسلطة القضائية بالقانون عدم إعمال العدل في الحالات المماثلة, ورغم الأخبار التي تطالعنا وباستمرار عن العدل والعدل تائه. أليس العدل اليوم هو غاية الأمل لأنه المحرك لكل طاقات الشعب صانع الحضارة التي لم يكتشف العالم للآن بعض أسرارها؟ أليس من العدل أن نقضي علي الفساد وأن نرجع الحقوق لأصحابها وأن نقتص ممن تربح ماديا أو معنويا دون وجه حق؟ هل يمكن للحكومة أن تتعقب الحقوق الضائعة للأفراد في العهد السابق, المادية منها والمعنوية, وألا تتصالح في مقدرات الأمة فليس من حقها أن تتنازل عن حق أصيل للشعب في أمواله ومقدراته؟ ولنتساءل ما هو نهج الحكم الحالي وليس نهج الأفراد الحاكمين؟ وهل اختلف سلوك الدولة عن سلوكها في النظام السابق؟ هل القروض مقبولة وهل الرشاوي مقبولة وهي المرتبات بحديها الأدني والأعلي مطبقة؟ والعجيب أن جميع أفكار التنمية يتم وأدها والتغاضي عنها بلا بديل وبتبرير جاهز دائما بأن الوقت قليل والتركة ثقيلة فهل تغيرت الأمور أم أن كل ما حدث ويحدث وسيحدث متوقع؟ كلنا أمل أن يفيق النظام للعمل وللضرب بقسوة علي أيدي المخربين أم أن تكلفة معالجة الدمار الناشيء عن الأحداث التي تدمي قلب الوطن مدفوعة مقدما من أموال دافعي الضرائب, أو من القروض الربوية؟