خلا مشروع الدستور المطروح للاستفتاء العام السبت المقبل في الفصل الثالث من الباب الأول الذي يعني بالشأن الاقتصادي من تحديد النظام الاقتصادي للدولة المصرية تحديدا مباشرا واضحا مثل تحديد دين الدولة.. والنظام الاقتصادي هو الكيفية التي يحل بها المجتمع المشكلة الاقتصادية التي تتبلور في مجموعة من الأسئلة الرئيسية تختص بماذا ينتج المجتمع؟. وكيف ينتج ما قرر إنتاجه؟. وكيف يتم توزيع الناتج علي الذين شاركوا فيه؟, ومن خلال الإجابة عن هذه الأسئلة يتحدد للمجتمع نظامه الاقتصادي رأسماليا أم اشتراكيا, أو غير ذلك من النظم الاقتصادية. فالنظام الرأسمالي يؤمن بحل المشكلة الاقتصادية عن طريق الحرية الاقتصادية في ممارسة النشاط الاقتصادي وأن الربح هو المحرك الأساسي للنشاط الإنتاجي, وأن توزيع عناصر الإنتاج علي الأنشطة الاقتصادية المختلفة وتوزيع ثمار الإنتاج علي الأفراد يتم بواسطة جهاز الثمن. وتقتضي الحرية الاقتصادية عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي, وإنما يقتصر دورها علي الأنشطة التقليدية كالقضاء والدفاع والأمن. أما النظام الاشتراكي فيقوم علي محو الطبقية الاجتماعية وتأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج واعتبارها ملكا للمجتمع مع الاحتفاظ بقدر من الملكية الخاصة الفردية. وتطورت هذه المباديء في النظام الاقتصادي الشيوعي حيث ألغي هذا النظام الملكية الخاصة جميعها لوسائل الإنتاج وألغي جهاز الثمن كأداة لتوزيع عناصر الإنتاج وثمار الإنتاج وتوجيه النشاط الاقتصادي وجعل الإنتاج لصالح المجتمع في مجموعة لا من أجل الربح الفردي. ويقضي النظامان الاشتراكي والشيوعي علي الحافز الفردي للعمل والإنتاج ويحولان دون ظهور القدرات الإبداعية للأفراد ويتعارضان مع الطبيعة الإنسانية بإلغاء الملكية الخاصة. ولقد أفرز تطبيق تلك النظم الاقتصادية مشاكل كبيرة وأوجه قصور وعيوبا شابت تلك النظم, وأدي ذلك إلي ظهور نظام الاقتصاد الموجه الذي يقوم علي تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في صورة الرقابة الحكومية علي النشاط الاقتصادي ورسم السياسات الاقتصادية وحماية الانتاج الوطني من المنافسة الأجنبية والاشراف علي التجارة مع الإبقاء علي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. وقد تتولي الدولة في ظل هذا النظام بعض المشروعات أو الصناعات الإستراتيجية مثل الحديد والصلب والأسمنت والصناعات البترولية. كما يقع علي الدولة عبء توفير البنية التحتية الأساسية مثل محطات توليد الكهرباء والطرق والموانيء والمطارات. كما يقع علي الدولة في ظل الاقتصاد الموجه مسئولية تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال الضرائب ووضع حد أدني وأقصي للأجور ونظم إعانة البطالة والرعاية الصحية والإنفاق علي التعليم ودعم السلع والخدمات للمستويات الدنيا من الدخول كذلك من واجب الدولة التدخل لمنع انهيار الاقتصاد أو حل أزمة كبري. وباستعراض مواد الفصل الثالث من مشروع الدستور المعني بالشأن الاقتصادي وهي المواد من14 حتي30 فنجد أن المادة14 تتعلق بالأهداف الاقتصادية ودور خطة الدولة في تحقيقها ووضع حد أدني وأقصي للأجور مع فتح باب الاستثناءات في الحد الأقصي. وتختص المواد من15 حتي18 بالزراعة وتنميتها وتنمية الريف والصناعة وتنميتها والثروات الطبيعية والحفاظ عليها واستغلالها. أما المواد من19 حتي20 فتتعلق بنهر النيل والشواطيء والبحار والبحيرات وحمايتها. كذلك تتناول المواد من21 حتي25 أنواع الملكية العامة والخاصة والتعاونية والوقف وحماية الملكية الخاصة وتنظيم الوقف. وتتحدث المادة26 عن الضرائب وتتناول المادة27 أنصبة العاملين والفلاحين في المؤسسات وتتعلق المادة28 بالادخار وحماية المدخرات أما المادتان30,29 فموضوعهما التأمين والمصادرة. والنظرة التحليلية لمواد مشروع الدستور في الشأن الاقتصادي توضح أن تلك المواد لم تتناول تحديد الهوية الاقتصادية أو النظام الاقتصادي للدولة الذي هو محله الدستور بل تناولت موضوعات أخري محلها القوانين. وهنا يبرز جانب القصور في مشروع الدستور فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي. إن تحديد الهوية الاقتصادية أمر بالغ الأهمية من أجل تحديد التوجه العام الذي يلتزم به كل المتعاملين في الشأن الاقتصادي من أجهزة الدولة ومؤسسات الأعمال العامة والخاصة والمستثمرين المصريين والأجانب. خبير الاقتصاد والتمويل والاستثمار