يقدم علي مسرح الغد العرض المسرحي المميز البيت علي نص الأديب الإسباني الشهير( جارسيا لوركا), شاعر الإنسانيات, الذي كتب المسرحية لتجسيد صراع الزيف ما بين الحقيقة والواقع. حيث تدور الأحداث حول صراع الزوجة التي فقدت زوجها وتفرض عليها العادات أن تعيش فترة حداد تمتد إلي ثماني سنوات, وتعيش مع أمها وبناتها الخمس اللاتي يتطلعن إلي الزواج والحب, وهو ما يتنافي والأعراف البيئية لهمن فالبيت ظاهره يقدس العادات والتقاليد والمثل, أما باطنه فيسوده الحقد والغيرة. كان أبطال العرض علي مستوي فني راق جدا, حيث مثلت الأم الفنانة الجميلة ذات الصوت الرنان القوي عزة بلبع, التي استطاعت أن تثبت جدارتها كممثلة متميزة حيث يختلف دورها عما قدمته سابقا من أدوار, كما أسعدت الجماهير وأمتعتهم بغنائها العذب الذي يخاطب المشاعر, وكان أداؤها للأمثال الشعبية التي لحنها محمد الوريث, غاية في الإبداع, أما دور الجدة فكان للفنانة المطربة ليلي جمال, التي استطاعت بخبرتها الطويلة أن تصنع الكوميديا من المواقف الدرامية عن غير افتعال, مما أضفي بهجة علي جميع الحضور, ولا نستطيع أن نغفل أداءها الغنائي في طفلتي الصغيرة الذي يعبر عن موهبتها الغنائية التي حرمنا منها طويلا. أما البنات الخمس فهن مي رضا, وعبير عادل, وجيهان سرور, وبدور, ونورهان, وكان أداؤهن التمثيلي أكثر من رائع, خاصة في المواقف التي تعبر عن مشاعرهن الإنسانية الفطرية نحو العلاقات العاطفية, واحتجاجهن علي الحداد, واستطعن جذب الجمهور لما يبدو من حالة عشق وتواصل فيما بين الأبطال جميعا, وهو ما أضفي بعدا نفسيا وجماليا للعمل ككل, ومثلت دور الجارتين وفاء سليمان, وأمل أبو رجيلة في أداء مميز يتسم بالكوميديا السخرية. أما البطلة الموسيقية التي شاركت لأول مرة في بطولة مسرحية فهي عازفة الفيولا رشا يحيي, المدرس المساعد بالكونسرفتوار, والعازفة بأوركسترا القاهرة السيمفوني, التي أدت دورها التمثيلي من خلال معشوقتها آلة الفيولا بأسلوب فني بديع, كما ظهرت علينا كبارقة أمل, بملابسها الأنيقة البيضاء في ظل الجو التراجيدي الذي يسود أرجاء المسرح. وأثبت المخرج سعيد سليمان تمكنه من خلال ربط الموسيقي بالدراما في وحدة عضوية واحدة, حيث بني العرض علي موشح يا بهجة الروح وكأنه تيمة للعرض من البداية للنهاية, بالتنويع عليه ليتناسب مع تباين المشاعر بين الفرح والحزن, حيث ظهر بطيئا ليتماشي مع الجو الحزين, ويعود باستخدام التريمولو الاهتزاز من الفيولا لنقل حالة القلق والتوتر للمشاهد, ثم يظهر مرة أخري بطيئا ولكن بغناء الممثلين, ثم يأتي بشكل راقص وأخيرا للتعبير عن الصراخ, وأدته رشا بتميز واقتدار من خلال استخدام أكثر من وتر علي الآلة, وبصوت قوي, أيضا استخدام موشح زها بخديك الخفر للفيولا, ثم الدويتو الثنائية بين الفيولا والصوت المرهف لعزة بلبع في موشح صحت وجدا الذي تماشي مع الحدث الدرامي. أيضا رؤية المخرج المتميزة في وضعه لإيقاع مصاحب لعزف الفيولا في أثناء العديد في شكله التقليدي القديم من خلال ضربات الأيدي علي اليدين والرأس في شكل تابلوه فني رائع, أيضا استغلاله لكل الطاقات الفنية للأبطال, سواء في التمثيل والغناء والرقص. كما أبهرني الميزانسين حركة الممثلين من خلال السينوغرافيا المسرحية في تشكيل المسرح باستغلال الأبعاد والمساحات, بالإضافة إلي الإضاءة القاتمة, والملابس السوداء التي عكست الحالة الوجدانية للمتلقين. ويؤخذ علي العرض الخلط بين اللغتين العامية والفصحي, وهو ما لم يتضح مبرره للمتلقي, مع وجود بعض الأخطاء اللغوية التي يجب أن تراعي إن كان هناك تقصير من الأبطال. ويقف علي خروج العمل بهذا الشكل الراقي مدير مسرح الغد عبدالرحيم حسن, الذي يرعي الفنانين المشاركين, ويساعد علي تقديم تلك الأعمال الجادة ذات الفكر والتميز. فتحية لكل من شارك في هذا العمل الإبداعي الناجح.