التجديد في التناول الدرامي والحداثة في كل من الموسيقي والإخراج المسرحي من أهم سمات العرض النمساوي "الطفلة التركية" الذي تم تقديمه في المسرح الكبير في إطار التعاون بين الأوبرا والمركز الثقافي النمساوي بالقاهرة ولكن الإضافة الحقيقية والتي عادت علينا بالفائدة ان عازفي أوركسترا أوبرا القاهرة هم الذين قاموا بعزف هذا العمل الصعب من الناحية التكنيكية والذي يعد مختلفا عن رصيدهم الفني الذي تعودوا علي تقديمه.. العرض تم تقديمه لأول مرة 4 سبتمبر 2011 بقلعة شونبرون في مدينة فيينا عن رواية للأديبة إيرين مونتجري واعد السيناريو وكتب الكلمات مخرجة العرض كريستين تورنكست والموسيقي للموسيقار فولفرام فاجنر وهو مؤلف نمساوي من مواليد 1962 وله العديد من المؤلفات للمسرح والباليه وموسيقي الحجر وعدد من الأعمال الأوركسترالية وهو حاصل علي عدة جوائز محلية ودولية وشغل منصب أستاذ تأليف في جامعة فيينا للموسيقي.... العمل كما شاهدناه من الأعمال التي يطلق عليها "أوبرا الحجرة" وهو من الناحية المسرحية مونو دراما أي يقوم به ممثل واحد وهنا قامت به مغنية الأوبرا النمساوية نينا بلانج "ميتزو سبرانو خفيف" بمصاحبة آلات الفلوت والأبوا والكلارنيت والترومبون والترومبيت والكورنو وكمان وفيولا وتشيللو وكونترباص وفاجوت والعود الذي كان له دور أساسي وبارز في العمل وقاد الفريق الذي كان يجلس منخفضاً قليلاً عن خشبة المسرح المايسترو وجوري أفير هارتز والذي ربما له دور في الإعداد الموسيقي حيث لم يتم تقديمه كقائد موسيقي بل تم وصفه بالمدير الموسيقي. تتحدث الأوبرا حول تجربة الإجبار علي ترك الوطن والهجرة والبحث عن وطن جديد في ثقافة مختلفة وتدور قصتها منذ 200 عام حول صبية صغيرة تم خطفها من قبل القراصنة وتم بيعها في تركيا كجارية وعندما بلغت من العمر 14 عاماً أعتقها القاضي التركي أنتقلت إلي فيينا حيث تبنتها امبراطورةالنمسا ماريا تريزي هنا تجسد المغنية شخصية هذه الفتاة بعد ان أصبحت إمرأة عجوز تقوم بإسترجاع شريط حياتها علي مدي 70 دقيقة هي مدة العرض الذي تنجح الكاتبة والتي هي أيضا المخرجة في أن تأخذنا في رحلة تبدأ بطريقة عكسية من حيث الزمن فتبدأ بالذكريات القريبة ثم تبعد تدريجيا إلي ان تصل لبداية القصة لتكون هي نهاية العرض مع تجربة تمثيلية وغنائية فريدة لهذه الفنانة البارعة نينا بلانج التي تقمصت شخصية هذه الفتاة في كل مراحل حياتها العمرية وهي عجوز تتذكر زوجها الذي مات وقصة حبها له ومباركة الأمبراطورة لهذا الحب وحياتها في تركيا ومحاولة ابن القاضي الإعتداء عليها وبهروبها وإختباءها في الدير حتي تم عتقها .. كل هذا من خلال الغناء والموسيقي والحركة المسرحية الرحبة التي تنزل أحيانا إلي الصالة وتخاطب الجمهور وايضا الديكور والأزياء المختذلة وشديدة الإختصارمع تويفها الجيد والمدروس والتي ينتميان إلي مدارس الرقص المسرحي الحديث حيث جاءت حركة تغيير الأزياء متواكبة مع الأحداث فنجد الممثلة في البداية ترتدي ملابس الحزن السوداء في مرحلة المرأة العجوز التي تتذكر ثم تنزعها لنجد ملابس العروس التي تستعد للزفاف وهكذا تل تنزع عنها ما يدل علي مرحلة زمنية وايضا استخدمت الأزياء في الدلالة علي المكان الذي تعبش فيه فنجد الزي التركي الشعبي للدلالة علي الفترة التركية وتل تنزع الملابس حتي لايبقي عليها إلا ملابس الباليه التي تعبر عن لحة ما قبل الاختطاف مباشرة حيث تبحث عن أسرتها وترتمي علي المسرح في مشهد بداية القصة ونهاية العرض الذي يلازمها طوال أحداثه اثنان كالأشباح يعبرون بحركة راقصة وبهلوانية عن الأحداث وأيضا يغيرون الأكسسوارات التي تنتهي ويفتها علي خشبة المسرح .. الجانب الواقعي والذي ارادت الكاتبة ان تؤكد ان هذه القصة حقيقية وليست من الخيال دللت عليها بالسنوات التي كانت مكتوبة بطرق مختلفة منها مرة علي الفستان ومرة من خلال صورة الأمبراطورة التي استخدمتها ايضا بتعبير فني حين كانت تتذكر حديث الأمبراطورة وتتحدث من خلالها في واحد من المشاهد الجميلة التي ذكرتني بإبداعات وليد عوني التي افتقدناها هذا الموسم.. ونأتي للموسيقي فنجد فيها درامية ولكن بحداثة تحمل في طياتها الموسيقي الكلاسيكية ولكن لا ننكر أن الجانب التعبيري فيها واضح مستثمر اصوات الآلات الطبيعية فنجد وقت الذروة الدرامية آلات الإبقاع والنفخ والوتريات الغلية تعبر عن التوتر وحين يعبر الموقف عن السعادة نجد الآلات الوترية والنفخ الحادة "الكمان والفلوت" يبرز دورهما اما العود فكان مرتبطاً بالفترة التركية إلي حد ما وهناك لحات مرح ورقص جاءت النغمات الموسيقية منتمة مع الحركة علي المسرح.. بشكل عام الموسيقي جعلتنا نعيش في الجو العام للعمل وجاء الغناء باللغة الألمانية ضمن النسيج الموسيقي الذي رغم ما به من تعقيد وصعوبة في التكنيك استطاع عازفو الأوركسترا ومعهم عازف العود أن ينجحوا في أدائه كما أن المتفرج أنفعل معها ومع الأحداث وساعد علي ذلك الترجمة باللغة العربية.. حقا أنه عمل فني راق يمثل إضافة جيدة للساحة الموسيقية المصرية ونقطة بيضاء في هذا الموسم..