أما وقد كان الإنذار الأخير حاملا رسالة واضحة تقول للسيد الرئيس وأهل الحكم إن هناك آلاف المواطنين المصريين يريدون من الرئيس أن يسمع مطالبهم, ومخاوفهم, وتحفظاتهم حول الدستور الجديد, فإن المنطق والعقل والحكمة تقتضي السماع لهذه الرسالة الوطنية المشروعة, وأحسب أن الرئيس لا يرضيه أن تتصاعد الأمور في البلاد إلي أكثر من ذلك, فهو رب البيت والمسئول الأول عن استقرار كل المواطنين وأمنهم, ومن ثم فإن مقتضيات الأمور وتطورها المتلاحق يقتضي تعاطيا مختلفا يتواكب مع هذه الأحداث التي تهدد أمن البلاد. ولعل الأمر من الخطورة والجسامة التي تتطلب فعلا مسئولا يحافظ علي الوطن ويحمي وحدته واستقراره وهو ما يفرض علي جميع القوي الوطنية التحلي بالمسئولية والحكمة والدخول في حوار مسئول يضمن توافقا وطنيا حول القضايا الخلافية التي فجرت الأزمة الراهنة, وليعلم الجميع أن مصر بحاجة اليوم إلي كل عمل مخلص لوأد هذه الفتنة التي كادت تحرق البلاد, ولا ضير أن يتدخل الرئيس بإلغاء الإعلان الدستوري أو تعديله, وإعادة طرح الدستور الجديد للنقاش حتي يتحقق التوافق الوطني وتتم إعادة اللحمة من جديد للوحدة الوطنية. مصر أيها السادة أكبر من الجميع, وهي الآن في حاجة إلي قرار عاقل وفعل مسئول وربما الآلاف التي خرجت بالأمس لابد أن يكون لها صوت مسموع, وإن المعارضة الواسعة للدستور الجديد لابد أيضا أن يكون لها آذان صاغية, وإلا فإن الانقسام يزداد والاستقطاب يتصاعد والفاتورة ستكون باهظة, كما أن الحكمة تقتضي من المعارضة أن تكون أكثر رشدا ولا تنخرط في مزايدات واتهامات لا طائل منها. إن المسئولية الوطنية تفرض علي الجميع استحضار روح ثورة يناير التي نجحت عندما توحدت كلمة كل أبناء الشعب, وعندما تخلي الجميع عن المصالح الخاصة وأعلي من قيمة المصلحة الوطنية وتلك هي عظمة بل قمة العمل الوطني الذي نفتقده في هذه الأزمة.