ان اختلاف الافهام واشتجار الآراء ليس بمستغرب ولكن ليس هذا سبب التقاطع والشقاق ولكن يعود لأسباب أخري تستغل تباين الأفكار للتنفيس عن أهواء باطنة ومن ثم تنقلب علي الحقيقة إلي درب من العناد, ولو تجردت النيات إلي رب البريات وأقبل روادها وهم بعداء عن طلب السمعة والرياسة لصفيت المنازعات التي ملأت التاريخ بالمآسي والدماء والشهداء كما حدث في مصر ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات آل عمران آية105 إن ائتلاف القلوب واتحاد الغايات والمناهج من أوضح تعاليم الإسلام ولا ريب أن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء مصر والأمة الاسلامية جمعاء وإن كانت كلمة التوحيد هي باب الإسلام فإن توحيد الكلمة هو سر البقاء, فنحن نحتاج إلي توحيد الكلمة في مصر وإلي كلمة التوحيد قال تعالي ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم نلاحظ أن الخطاب الإلهي في القرآن الكريم يأتي بصيغة الجمع دائما ولم يتجه للفرد وحده, ثم من الدرس الذي ينزل علي الجميع يستمع الفرد وينتصح قال تعالي واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.. آية103 سورة آل عمران. ولا ريب في أن قوة الوطن في إيمانه بربه واتحاده وترابطه وفي التواد والتراحم بين الجميع, قال صلي الله وسلم في الحديث الشريف مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الاعضاء بالحمي والسهر وأصل هذه الأمة أنها أمة واحدة قال تعالي: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. نعم علينا العودة في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها مصرنا الحبيبة إلي الوحدة والاتحاد بدلا من الفرقة والتشرذم, ونترك المسميات التي ننادي بها في هذه الأيام, وليكن شعارنا من أجل الوحدة كما كنا ننادي في الأيام الأولي للثورة ارفع رأسك فوق انت مصري فلنجتمع ونتحد جميعا من مسلمين ومسيحيين وعلمانيين وليبراليين, وسائر طوائف المجتمع من أجل مصر ولنا في رسول الله أسوة حسنة في هذا المقام حينما ألف بين المهاجرين والأنصار وجعل هذه المؤاخاة ركنا أصيلا من أركان المجتمع في المدينة, فلما أراد أهل النفاق إشعال نار الفتن كما نري اليوم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أبدعوي الجاهلية تدعون وأنا بين ظهرانيكم.. دعوها فإنها منتنة فهل نعي الدرس بأن هذه العصبية التي نراها اليوم منتنة فنترك الأهواء والمطالب الشخصية من أجل مصر, فمصر أولا وقبل كل شيء. وقد حدثت أيضا في عهد الخلفاء الراشدين فتن انتشرت في الداخل والخارج فجهز سيدنا أبو بكر الجنود الغفيرة لتهدي الحائرين وترد المعتدين وتقوم المعوجين إلي طريق رب العالمين قال تعالي وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. وحدث أيضا بعد مقتل سيدنا علي بن أبي طالب خلاف كبير وفتنة عظيمة فكان الحسن بن علي سببا في تجميع الناس ولم الشمل مرة أخري وصدق فيه قول رسول الله صلي الله عليه وسلم إن ابني هذا سيكون له شأن يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وقد كان حيث جمع شمل المسلمين في ذلك الوقت. والغريب انه من الأمور الشنعاء التي بدأت وتكررت من الأفراد والأسر المصابة بحب الرياسة, ولو كان ذلك نتيجة لتفوقها الهائل في الملكات ما أعطاها ذلك حق التقدم كما قال صلي الله عليه وسلم إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه رواه البخاري فليحذر كل منا هذا الانحراف أينما وجده ويضع لبنة في بناء أمته فنحلم أن تعود مصر لتكون قائدة للعالم مرة أخري.