ما يحدث علي الساحة المصرية الآن يمهد إلي حرب أهلية مدمرة. هذه الأوضاع الكارثية التي تعيشها البلاد تتشابه في ملامحها مع الكثير من الأوضاع التي شهدتها بلدان عانت من شر انقسامات سياسية قادتها إلي حرب داخلية. لا أقول ذلك من منظور التخويف وإنما لأن الكثير من القوي المشاركة في الصدام السياسي لا تعي أن هناك دولا كبري سقطت في مستنقع تلك الحرب. ويظن كثيرون أن الحرب الأهلية ترتبط فقط بالأسباب الدينية وهو ما تنفيه الوقائع التاريخية التي تشير إلي أن حروبا أهلية نشبت لأسباب سياسية بمفردها أو بامتزاجها مع أسباب أخري دينية أو طبقية وعرقية أو إقليمية. وتكاد تشم رائحة الحرب في مصر من محاولات الأطراف الفاعلة وغير الفاعلة للسيطرة علي مقاليد الأمور وإقصاء الآخر, وهذا يخلق بيئة غير صحية يري فيها كل طرف في الآخر عدوا وفي كل من يريد أن يبقي محايدا خائنا لا يمكن التعايش ولا العمل معه. ألم يكن ما حدث في التحرير الجمعة الماضية ترجمة فعلية لرفض الآخر وتخوينه ووضعه في صف العدو الذي يستحق القتل, وهل ما قاله المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق عن عودته إلي مصر في حماية الملايين من مؤيديه لمواجهة ما يري أنه اضطهاد يتعرض له لا يمهد للمخاوف, وهل يمكن تفسير اعتزام30 حزبا وحركة سياسية التصدي لما أسموه بميليشيات الإخوان والأحزاب المنتمية للتيار الإسلامي في مليونية جديدة ووقوف10 أحزاب إسلامية صفا واحدا للدفاع عما تراه شرعية واستقرارا ومواجهة أعداء الاستقرار بعيدا عن الخطر الذي يطل برأسه الموحش؟. وماذا نقول عما يحاك في السر والعلن من أعمال وتحركات مجهولة الهوية والمصدر للعبث بملفات التهجير في رفح والتخوين في سيناء والتجاهل في الجنوب والتهريب في الشمال؟. نحن في حاجة إلي حالة من التوافق السلمي من أجل مصر حتي لا تدخل حربا أهلية سياسية مثلما حدث في العديد من الدول منها فرنسا والولايات المتحدة واليابان والنرويج ولبنان وغيرها من الدول التي كانت تظن أنها بعيدة عن الحرب الداخلية. وما أريده ألا يذهب كل طرف إلي ميدان التوافق وعلي ظهره وفي كلتا يديه وعن يمينه وعن يساره مصالح شخصية وأهواء خاصة وأجندات لا يعرف أحد هويتها حتي لا تدفع مصر كلها الثمن والذي سيكون باهظا ومدمرا للجميع!