الميكروفون فعلا.. كاميرا خطيرة.. يقف أمامها الممثل تماما كما يقف أمام كاميرا سينمائية لها عدسات تلتقط كل ما يفعله الممثل لتسجيله علي شريط سينمائي.. كاميرا الميكروفون. هي كل آذان المستمعين وخيالهم الذي يرسم الصورة التي يحاول أن يرسلها إليه الممثل من خلال الميكروفون.. وإذا حضرت تسجيل أحد الأعمال الدرامية.. مسلسلا.. أو سهرة.. إذاعية داخل الاستوديو.. وشاهدت ما يحدث هناك ستجد نفسك أمام جو غريب.. يسود المكان.. وكل ممثل يحمل في يده دورا مكتوبا علي الورق.. وقد امتلأت الأوراق بالملحوظات والتصليحات.. وتقطيع الجمل حسب القاء كل ممثل.. وعندما يضاء نور أحمر مخيف بجوار جهاز الميكروفون يعني أن الميكروفون بدأ يعمل.. الصمت يسود الجالس خلف معدات التسجيل الرهيبة خلف زجاج سميك فاصل بين الاستوديو و حجرة التسجيل.. يبدأ التمثيل.. تماما كأن الممثل أمام الكاميرا.. كل تعبيرات الوجه تتغير.. كل عضلات الجسد تأخذ في الاستجابة للتغيير الذي يحدث للممثل اثناء الاداء. بالهمس.. بالصمت.. بالكلمات.. بنظرات الأعين.. بحركات الأيدي.. بالاقتراب والبعد عن الميكروفون كأنه يلتقط صورة مقربة كلوز أو صورة بعيدة توتالة ويعبر الصوت عن هذه اللقطات بأحجام الصوت قريبا أو بعدا.. تنتقل إلي المستمع من خلال الميكروفون لتتحول إلي اللقطة المراد ايصالها إلي خيال المستمع بعدا أو قربا. فالميكروفون هو المحب.. والمحبوب هو دائما المتحدث إليه.. الممثل يبثه غرامه واشجانه.. أو عنفه وشره.. سلبيته أو ايجابيته.. ان الميكروفون هو الممثل الآخر الذي يقف أمام أي ممثل يؤدي دورا.. حتي لو كان المشهد يشمل عددا كبيرا من الممثلين.. في هذا المسمع. وزوايا الميكروفون لها أسرارها تماما كزوايا الكاميرا.. فكل زاوية تعطي تغييرا في درجات الصوت.. وضوحا أو تشويشا وللميكروفون نجوم يعرفون سره تماما كنجوم من المخرجين.. يتعاملون مع الميكروفون كالتعامل مع الكاميرا تماما.. فهم يعطون تعليماتهم عن طريق الاستعانة بالألفاظ المستخدمة في تصوير الأفلام بالكاميرا.. لقطة كبيرة.. لقطة متوسطة.. لقطة عامة. ومنهم من يجعل الميكروفون كاميرا.. تلتقط كل الزوايا.. ويرسم حركة الممثلين في الاستوديو.. وهم يتحركون من مكان إلي آخر.. يفتحون أبوابا موجودة داخل الاستوديو.. يسيرون في الطرقات علي ألواح خشب موجودة داخل الاستوديو.. يديرون قرص التليفون موجود داخل الاستوديو تماما كما يحدث في تصوير أي مشهد بالكاميرا.. فتأتي اللقطة أو المسمع بكل ابعاده وتأثيراته.. طبيعيا كما يريده المخرج.. ويصل للمستمع في أقرب صورة صوتية لتساعده علي ترجمة الصوت إلي صورة في خياله. والميكروفون له رهبة الكاميرا تماما.. وكل ممثل يقف أمام الميكروفون يعرف أنه يقف أمام كاميرا لا تنقصها الصورة. ونظر إلي صديقي النجم.. وقال.. أنا نجم سينمائي صحيح لكن صوتي نجم إذاعي هو الآخر.. تعرفه الجماهير.. وأنا في غاية السعادة بنجومية الاثنين.. السينما.. والإذاعة.. فهما توأم فني.. أحافظ عليه. قلت له.. بابتسامة صادقة.. أنا عرفتك الآن كنجم إذاعي كبير.