39 عاما مضت علي حرب أكتوبر, وبقي السؤال: هل خان الأدباء انتصار أكتوبر؟ هل كتبوا ما يوثق للحدث وعمقه أم تناولوها بشيء من السطحية, وكثير من الاحتفالية؟ وهل ما كتب عن هذه الحرب التي أعادت لمصر كرامتها أمام العالم يليق بقدرها, ويعادل ما كتبه كبار الكتاب عن الحروب العالمية؟ العديد من التساؤلات داعبت ذكرياتنا عن الحرب, والتقينا عددا من كتابنا وسألناهم, وكان هذا التحقيق. الشاعر عبدالرحمن الأبنودي أكد تحفظ الأدباء وهم يتناولون حرب أكتوبر, مشيرا إلي أن ذلك ليس ذنبهم, هم تحفظوا لأن شباب تلك الحرب وقصص بطولاتهم غير المسبوقة التي كشفت عن المعدن الأصيل للشعب المصري وكلها كانت تستحق الكتابة العظيمة بقدر هذا الفعل الجلل, ولكن مأساة أكتوبر أنه وقبل أن تجف دماء الشهداء علي المعركة كانت اللعبة السياسية قد بدأت وبدأ الجميع, وبالأخص الأدباء والمبدعون وهم أقدر الناس علي الكشف والنظر للبعيد, يدركون أن السياسة ابتلعت النصر, وأن الصفقة ابتلعت الحماس الحقيقي, وأن البيع والشراء قتلا الانطلاقة الفطرية لاسترداد الأرض, وهزيمة العدو, وهكذا صارت الألعاب السياسية منذ مباحثات الكيلو101 إلي زيارة القدس إلي كامب ديفيد إلي اتفاقية السلام كلها أمور دخلت لتفسد علينا الإحساس النقي بشجاعة شعبنا وقدراته, للأسف أن السياسيين لم يريدوا أن نحتفي بهذا النصر العظيم وعرضوه للبيع علي أرصفة المدن الكبري. ويقول الأديب قاسم مسعد عليوة: إن الأدباء قاموا بالدور الذي تمليه عليه ضمائرهم وأنهم لم يخونوا قط حرب أكتوبر المجيدة, وقد صوروها في كتاباتهم بأكثر من طريقة, وبأكثر من شكل قبل اندلاع نيران الحرب وفي أثنائها وبعدها, وهناك صنفان من الأدباء كتب عن الحرب منهم من تحمل نيرانها, وشارك في فعالياتها وهو يرتدي الزي العسكري وهم الأدباء المقاتلون, وقد كتب أغلبهم الأدب الراقي, ومنهم من تأثر بنيران الحرب, هؤلاء المقاتلون كان منهم جمال الغيطاني, ويوسف القعيد, وأحمد سويلم, وفؤاد حجازي, وعبدالعزيز موافي والقائمة طويلة. وأضاف عليوة: لقد خان أكتوبر فعلا النقاد والأكاديميون والإعلاميون, إلا قليلا, لأنهم لم يسلطوا الأضواء بالشكل المناسب علي ما كتب, ويبدو أنه كان هناك توجيه لتجميد هذه الكتابات إلا إذا كانت تمجد في السلطة السياسية. ويري الناقد أحمد عبدالرازق أبو العلا أن الأدب الذي أطلق عليه أدب الحرب معظمه جاء أدبا انفعاليا حيث تزامن مع الحرب, وبعيدا عن المتغيرات التي أحدثتها حرب أكتوبر علي المجتمع. لقد كتب بتأثير الانتصار لكنها لم تقديم أعمالا أدبية كما فعل كتاب الغرب مثل همينجواي وغيره, ولم يحدث هذا لأن حرب أكتوبر من وجهة نظر المثقفين لم تكتمل بسبب اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعها السادات, والتي تباينت الآراء فيها ما بين مؤيد ومعارض حيث رأي المثقفون ضرورة استكمال الحرب حتي نسترد كامل الأرض, يضاف لهذا اتفاقية كامب ديفيد التي أحدثت شرخا لدي المثقفين والمبدعين, وأصبح التعبير عن الحرب تعبيرا ناقصا, لأن الانتصار من وجهة نظرهم لم يكن كاملا, ولهذا لم يكتب الأدباء عن أكتوبر بشكل مطلق لأن ما حدث أضعف مفهوم الانتصار تحرير الأرض بالقوة عندهم. وأشار الناقد الدكتور حسين حمودة وأن ما حدث من نتائج سياسية بعد حرب أكتوبر يراه البعض أقل من الإنجاز العسكري لهذه الحرب, وأن ذلك هو ما دفع الكثيرين من الكتاب والمبدعين بشكل عام إلي تجاهل الأثر الكبير الذي ارتبط بهذه الحرب وأدي إلي عدم الاهتمام الكافي بها في أدبهم وإبداعاتهم, ولكن هذا لا ينفي أن هناك كتابا اهتموا بتجربة الحرب وشارك بعضهم فيها, بينما اهتم كتاب آخرون بأصداء هذه الحرب في الحياة المصرية بشكل عام, ولكن أتصور أن الاهتمام الأكبر والأهم بهذه الحرب كان يجب أن يهتم بالسينما عن الأدب, فأفلام أكتوبر قليلة العدد ولا تكفي هذا الحدث الكبير.