يوسف القعيد: فإذا كنا نريد أعمالا جيدة عن الحرب يجب أن نرفع القداسة عنها.. د.صلاح قنسوة: بعد الحرب بدأت القضية القومية في التغيب فتخلف الإبداع.. د.صلاح فضل: الحرب لم تنتهي بعد لتتبلور في الأعمال الكبرى.. تناول الكثيرون من المبدعبين المصريين حرب السادس من أكتوبر العاشر من رمضان في أعمالهم الإبداعية، كذلك العديد من المبدعين العرب، منهم سوريون خاضوا نفس الحرب معنا مثل أحمد يوسف داوود، ونبيل سليمان، وغيرهم من باقي الأقطار الشقيقة مثل الكاتب المغربي مبارك ربيع، والكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، والعراقي عبد الرحيم المجيد، لأن تلك الحرب لم تكن مجرد حرب خاضاتها مصر، إنما كانت حدثا قوميا كبيرا، وحد صفوف العرب. ورغم كثرة ماكتب عن تلك الحرب، لم نجد عملا كبيرا يخلدها بما فيها من بطولات، وتضحيات ضخمة.. وحين ننظر لما كتب عن أكتوبر، سنجدها أعمال عن تداعيات الحرب وآثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لا تحلل صلب الحدث ذلك النصر الفريد في تاريخ الحروب العسكرية، الذي استمر الإعداد له 6 سنوات هي عمر حرب الاستنزاف.. إضافة لبعض الأعمال الخطابية والدعائية. وهنا تبرز عدة تساؤلات، لماذا لم نجد في أدبنا عملا كبيرا يضاهي رواية (الحرب والسلام) لتولستوي التي ترجمت لمعظم لغات العالم، و(وداعاً للسلاح) لهمنجواي و(الدون الهادئ) لشولوخوف و(الأمل) لمارلو و(أفول القمر) لشتاينبك وغيرها؟ ولماذا لم نجد عملا مسرحيا أو دراميا على غرار الأعمال الأجنبية التي تناولت الحرب العالمية؟ وأخيرا هل يمكن أن نرى عملا كبيرا عن حرب أكتوبر؟ تلك الأسئلة وغيرها يجيب عنها نقاد ومبدعيين.. في البداية يقول الأديب يوسف القعيد صاحب العديد من الأعمال التي تناولت حرب أكتوبر منها (الحرب في بر مصر) و(في الإسبوع سبعة أيام) و(تجفيف الدموع) و(حكايات الزمن الجريح) و(أطلال النهار) فيحلل هذه الظاهرة قائلا: لكي يكون هناك عمل كبير عن حرب أكتوبر، لابد أن يكون الكاتب عايش الحدث، لأن الحرب والسجن لابد للكتابة عنهما أن يكون الكاتب قد مر بهذه التجربة، لأن الحرب لاتحدث كل يوم، ومفراداتها الاجتماعية تدور في ميادين المعركة بيعيدا.. حتى من قرأ عن الحرب، لم يكتب أدبا جيدا.. لإنه لابد أن يكتب عن تجربة الحرب مقاتل دخل الحرب.. وأنا أثناء أكتوبر كنت مجند في مستشفى، لهذا لم أكتب عن المعركة ذاتها، لكن عما حدث من تداعيات في نفوس الجنود، والناس عامة، فكتبت عن الجنود باعتبارهم بشر عاديون، في وقت كان الإعلام المصري، يتعامل معهم على أنهم أبطال. فإذا كنا نريد أعمالا جيدة عن الحرب، لكن من أجل ذلك يجب أن يرفع الإعلام القداسة عن هذه الحرب.. فالإعلام المصري يتعامل مع حرب العاشر من رمضان على إنها ملحقة للقرآن الكريم.. وربما يأتي بعد سنوات من يستطع مالم نستطعه.. أن يؤرخ لهذه الحرب التي تعد آخر صورة تذكارية للحلم القومي العربي. وفي كلامه يشير الناقد د.صلاح قنسوة: إلى أن الواقع الأدبي لايتشابه في كل دول العالم، فإذا كانت (الحرب والسلام) رواية ضخمة وذائعة وتنتمي للأدب الرفيع المستوى، فهذا لا يعني إن كل دول العالم لديها نفس الشئ، ومع ذلك فلدينا أعمال الجيدة تناولت الحدث، وإن كانت قليلة العدد، وبعضها ليتناول البطولات الكبيرة والحقيقية التي حدثت في ميدان المعركة. والسبب هو علاقة الإبداع بالسياق السياسي والاجتماعي، فترة الحرب كانت فترة سيئة سياسيا، لأن القضية القومية بدأت في التغيب العمدي، بعد أن قيل هذه آخر الحروب، وهو شعار يعني أعلان بإغلاق المحل ليس للتحسينات بل أغلاق أبدي، وهو إعلان استسلام. ومن هنا كانت الحرب نقلة الأعلى، ثم هبوطا من على السلم، أعقب ذلك سياسة الانفتاح الذي ارتبط بفكر سياسي، لا يقيم أهمية للوطن وبالتالي أنعكس هذا السياق على الإبداع، ومن ثم أحجم العديد من المبدعين عن الكتابة. لكن ربما يأتي فيما بعد نرى عملا كبيرا عن الحرب، فرواية (الحرب والسلام) كتبت بعد 75 سنة من الحرب. فأن 39 سنة التي مرت على الأحداث، تعد أياما في عمر شعب. لهذا أتوقع عملا كبيرا، وموهبة كبيرة، وعلاقة مباشرة بالحدث. ويختلف الناقد د.صلاح فضل عما سبقه من أراء قائلا: بعيدا عن مجارة التيار السائد بتمجيد حرب أكتوبر وانتظار أن تقوم روائع الأدب بتخليدها، علينا إدراك مجموعة حقائق بسيطة، تفسر الظاهرة: أول هذه العناصر أن الأدب لايسير في تطوره طبقا للتطور السياسي المحدود لأنه متصل بالوجدان وبطئ التغير، من هنا المسافة بينهما غالبا ما تكون متباعدة، وليست متقاربة بمعنى أن الأدب لا يتبع بسرعة كافة المتغيرات السياسية والعسكرية، إنما يحتاج لوقت طويل لإعادة أنتاجها، كذلك فإن أكتوبر ليست حربا مستقلة بل معركة ضمن عدد من العارك، بدأت بسنة 1948 ووصلت لقمة مأساتها في 1967 وتعدلت أوضاعها قليلا في 1973، لكن فصول الرواية لم تتم بعد، لأن الصلف الإسرائيلي المتعنت مازال يجسم على الأرض العربية، في فلسطين والجولان ومازال يرفض الاعتراف بحقوق العرب المشروعة. أي أن الحرب لم تنته بعد حتى نطلب تبلورها في الأعمال الكبرى، ثالثا أكثر الوقائع التي هزت الوجدان العربي هي هزيمة 1967، التي زلزلت ثقة الإنسان العربي بنفسه، وبزعامته وبماسرته الحضارية، رابعا أنتصار أكتوبر صنعته أرواح الشهداء ببطولات حقيقية وأفسده الحمق السياسي، بالتعجل باتفاقية (كامب ديفيد) دون إعداد الرأي العام المصري والعربي لذلك، لأن التلاحق السريع للأحداث وتجاهل الأمر، حرم الضمير المصري والقومي من الاستمتاع بحلاوة الانتصار، وأدى إلى ردة قومية، وألقى ضبابا على النصر العسكري، وحرم الشعب من الإحساس الجميل بالنصر. وليس الأدب بمعزل عن ذلك، فقبل أن يعيش الأدباء بهجة النصر العسكري، كان الحمق السياسي يفسد كل شئ، لهذا فالأمر يحتاج لسنوات طويلة حتى تنتهي الحرب، ويستقر السلام، ويمكن للمبدعين رؤية الماضي بشكل نقدي خلاق.