اذا جمعت كل الكتابات حول القرية المصرية يصعب ان تجد خيطا يربطها معا, فهذه القرية تتلون من قلم لاخر هكذا حاول الناقد الدكتور حسين حمودة اطلاق شرارة الحوار بين اعمال الكاتبين يوسف القعيد ومحمد ابراهيم طه خلال ندوة حوار التي اقيمت بقاعة المؤتمرات بالمجلس الاعلي للثقافة الاربعاء الماضي, وادارتها الكاتبة هالة البدري, وشارك فيها بالاضافة للكاتبين الناقد يسري عبد الله. وقال حمودة: لا يوجد تاريخ واحد يجمع تناولات القرية المصرية عند الكتاب المصريين, فلا تشبه قرية حسين هيكل في زينب وهي قرية كتبت بنظرة سياحية, تلك التي كتبها يوسف القعيد, او تلك التي كتبها محمد ابراهيم طه. وعن قريته التي كتبها القعيد في معظم رواياته وعلي رأسها وجع البعاد قال: هناك قرية كانت ولم يعد لها اي وجود في القري المصرية, هي تلك التي احاول استعادتها في كتاباتي, فحين اسافر الي قريتي اشعر اني ادخل قرية اخري, فالقرية قديما كانت تعج بالموروث الحكائي, وكان هذا الموروث جزءا من كل شيء فيها, فهو اداة التسلية اثناء العمل ودريس القمح واعمال السقاية كذلك جزء من المناسبات من افراح الي موالد, واكاد اقول ان معظم رواياتي كانت البذرة الاولي فيها واحدة من حكايات امي عن اغرب ما وقع في القرية اثناء غيابي. وروي القعيد ان روايته يحدث في مصر الان كانت مبنية علي حكاية لامه عن احد الاثرياء الذي طلب ابنه للتجنيد فارسل ولدا فقيرا ليحارب في حرب اكتوبر وحين استشهد الفقير اشتعلت المعركة بين اسرته واسرة الرجل الثري حول مزايا المحاربين, وقال: بالطبع اول ما كتبت هذه الرواية كنت اشعر بالخوف لان حرب اكتوبر كانت لها قداسة في نفوس المصريين, وحين عرضتها علي الناشر المصري ورفض نشرها شعرت براحة ودفعت بها الي لبنان حيث ظلت ممنوعة في مصر حتي عام1985 اذ اكدت الايام صدق نبوءتها حول المنتفعين بكل حدث وطني . اما طه الذي تمزج رواياته بين الواقع والخيال, فقد اكد ان السرد بطريقة كلاسيكية يصيب القاريء بالملل, بالتالي فقد كلفه مزج عالم الخيال الذي لا حدود له مجهودا اضافيا في تقديم هذا العلم لقارئه, وقال: اردت ان اضفي علي الراوي مصداقية فجعلته يستخدم ضمير المتكلم, حتي لا يعرف القاريء اين ينتهي الواقع ومتي يبدأ الخيال . وفي الوقت الذي اختار القعيد في رواياته الارتباط بتاريخ واقعي, نأي طه بنفسه عن زمن محدد لكتاباته جميعا, وقال: لست معنيا بزمن الرواية, ولا انا في حاجة الي حالة تسجيلية, فهذا الزمن الضبابي والهلامي يجعل الرواية تعيش اكبر وقت ممكن لدي القاريء . اكتشف طه عبر مسيرة طويلة مع الكتابة ان الابتعاد عن الواقع ضرورة, ويروي: بعد صدور سقوط النوار تنامي لدي حس الابتعاد عن الواقع, وفي دموع الابل تنحسر مساحة الواقع لاقل درجة, فهو وحده لا يكفي لانتاج رواية مدهشة, اذا اكتشف خلال رحلتي ان الادب يقف علي ساقين احداهما الواقع والاخري الخيال. تتشابه هنا اكتشافات طه مع القعيد اذ اكد القعيد انه في بداياته كان مشغولا بالواقع, وقال: اكتشفت بعد ذلك ان الكاميرا يمكن ان تقدم ما تقدمه الرواية التسجيلية وبكفاءة اعلي, وانه لابد لي ان اضيف ذاتي الي النص الذي اكتبه . وفي مداخلته التي ادلي بها الكاتب الكبير سعيد الكفراوي عن صديقه القعيد, قال: القعيد فلاح يتمتع بشهامة, انشغل خياله بالقرية القديمة وحاول تجسيدها بكل ما فيها من مفارقات وعلاقات بين السادة والعبيد ومجمل اشكال الحياة داخلها, ولم ينشغل يوسف بفكرة التجريب ولم يتأثر بكافكا وهيمونجواي المعنيين بالشكل الفني اكثر من مضمون الرواية, لكنه حاول طوال الوقت الدفاع عن شرف البلد ولم يقف قط امام اتهامات النقد له بالمباشرة والواقعية المفرطة, كان يدافع عن منطقة آمن بها تتلخص في ان هذا البلد جريح ولابد من الدفاع عنه بالكتابة . وتابع قائلا: القعيد اضاف للرواية المصرية اذ لملم معرفته وطفولته واحساسه بالبشر في قريته واحساسهم بالرحيل الابدي في الموت واستطاع ان يعزف ذلك في اكثر من15 رواية, لكني اتساءل بعد هذه الرحلة الطويلة من كتابة الواقع الم يشغل القعيد الكتابة عن الاسئلة الوجودية الكبري والاحاسيس المجردة ؟ وهو التساؤل الذي رد عليه القعيد قائلا: بالطبع تشغلني اسئلة الموت والاسئلة الوجودية الكبري وهي موجودة داخل ثنايا اعمالي التي كتبتها, وستكون موجودة فيما اكتبه مستقبلا . وفي مداخلته اوضح يسري عبد الله ان يوسف القعيد مرت اعماله بتجارب متنوعة من الواقعية التسجيلية وحتي الواقعية الاشتراكية وصولا الي الواقعية السحرية, وقال: اعمال القعيد تشبه المرآة التي تعكس الواقع, لكنها موضوعة بزاوية تجعلها تعكس هذا الواقع وفقا لرؤية القعيد واحساسه به . ورصد عبد الله الاختلافات بين الكاتبين قائلا: ينتمي الكاتبان الي جيلين مختلفين, وقد افترقا في المعالجة الدرامية للواقع ايضا, فقد سكنت المقولات الكبري ابن جيل الستينيات الادبي يوسف في كل كتاباته, في حين اختار طه وهو من جيل التسعينيات الادبي ان يطرح هذه المقولات علي لسان شخوص هامشية جدا