انطلاقا من اتفاقهما في الكتابة عن الريف المصري، واختلافهما في الأسلوب والتناول، حل الأديبان يوسف القعيد، ومحمد إبراهيم طه، ضيفي ندوة "حوار" الشهرية التي تنظمها لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة، والتي شارك بها كل من الناقدين حسين حمودة ويسري عبد الله، وأدارتها الكاتبة هالة البدري. القعيد قال: لقد وضع طه قدمه في منطقة "البنادر" حيث تتلاشي حدود القرية والبندر، ودائما ما نجد في قصصه مريضًا وطبيبًا، أبطاله فقراء، وحجم الخيال عنده غير محدود، لكن برصانة وحياد، تذكرني أعماله بكتابات يوسف إدريس، أشعر حين أقرأها أنه كتبها بعناء وأنه ليس مجرد كاتب ينجز عملاً، وإنما كاتب لديه مشروع يعمل عليه بصبر الفلاح الذي يبذر البذرة وينتظر نموها بصبر؛ لقد عشت في القرية وأعلم مكانة طه كطبيب كاتب في قرية عاش بها حياته، فالأمر يصل لدرجة التأريخ للقرية بأطبائها، كما حدث في قريتي مع الدكتور فتحي، القرية كقدر الإنسان، تصبح مع من عاش بها جزءًا من سلوكه ورؤيته للعالم، ولكن المجتمع القروي فقد خصوصيته بكل أسف، ولم يعد كما تركناه في الستينيات. وأكمل: لا أحب أن أدعو طه بأنه كاتب تسعينيات، ولا غيره بكتاب الفترة كذا، علينا إعادة النظر في المجايلة، فنجيب محفوظ ولد عام 1911، وكانت فترته الذهبية بين 59 و69، فبم ندعوه؟ وماذا عن الجيل الحالي الذي يعاني من تراجع الهم الاجتماعي، واستبطان ذاتي، مع ذاكرة ملعونة في تعامله مع السابق الذي لا يعني بقراءته، فهو جيل منكفئ علي ذاته. وكشف القعيد عن سر كثير من أعماله بقوله: أمي كانت حكاءة من الدرجة الأولي، بدأت معظم رواياتي من جملة تقولها لي خلال زيارتي لها عن أغرب ما وقع في قريتنا والقري المجاورة في غيابي، كنت أعمل عليها، وهذا ما حدث في روايتي"الحرب في بر مصر" التي تم تحويلها فيما بعد إلي فيلم"المواطن مصري"، ففي إحدي زياراتي حكت لي أمي عن قرية مجاورة لنا قام فيها العمدة بإرسال أبناء أحد الفلاحين بالقرية بدلا من ابنه للحرب، ولم يكن أكيدا أنها كانت واقعية أو متخيلة، ولكن وجدتني أكتبها، لم أقصد التأريخ لحرب أكتوبر، وكنت متوجسا للغاية من نشرها لحساسية الوضع عقب 73، وحين رفضها أحد الناشرين المصريين فرحت، ونشرتها في بيروت وظلت ممنوعة من دخول مصر حتي عام 85، حيث عادت وصدقت نبوءتها؛ معظم الروايات بذرتها الجنينية هي الواقع، ورغم أني شديد الاهتمام بالواقع لدرجة مطابقته، إلا أنه ثبت خطأ ذلك، لأنها وظيفة قد تؤديها كاميرا أو فيلم بدقة أشد، أما الرواية فلابد وأن أطبع عليها ذاتي، وأن أستمد شرعيتها من قيم الرواية وجمالياتها. أما محمد إبراهيم طه فقال: لقد كان القعيد هو أول من أشاد بكتابي "سقوط النوار" عام 2002واعتبرها هي و"ليلة عرس" أفضل روايات العام، ثم عاد ليقدمني في مقال له بجريدة الحياة بعنوان "كل هذا الموت" بأكثر مما أستحق. وأكمل: إنني أري المشهد الروائي في مصر علي مراحل الأولي مرحلة الجد نجيب محفوظ، ومن بعده الآباء يوسف القعيد وخيري شلبي، وصنع الله إبراهيم، ثم نحن الأحفاد الذين لم ينه أكثرهم مشروعه، وأخشي أن نكبل بالمدح فنتوقف أو يقل الكلام عنا فننتهي، القعيد من أهم كتاب جيل الستينيات بعد يوسف إدريس ومن بعدهم يوسف أبو رية، ثلاثتهم كتب عن القرية، ولكن قرية القعيد واضحة، كان يعني بذكر التفاصيل كاملة بما فيها المسافات بين القري، وتفاصيل الري والحصاد وتربية الحيوانات؛ لا شك أن وجه القرية تغير، أصبحنا نري الجينز والبنطلونات، والقمصان فاختفي الفارق بين القرية والمدينة. وأضاف: في روايتي "دموع الإبل" قدمت عالمًا داخليا به شخصيات صغيرة في الواقع مرهفة حساسة من الداخل، مزجت الواقع بالخيال بصورة لا تثير الملل، ولكني لم أعني بالزمن، جعلته هلاميا لأني لا أسجل الواقع، كما أني اكتشفت أن الواقع وحده غير كاف لإنتاج رواية مدهشة. أما الروائي سعيد الكفراوي الذي حرص علي حضور الندوة مع الحضور فعلق قائلا: القعيد فلاح شهم، انشغل خياله بالقرية القديمة، حاول طوال الوقت الدفاع عن شرف البلد، ولم تكن تعنيه مقولات النقد، كما لم يقف كثيرا عند اتهامه بالمباشرة والواقعية، كان يدافع عن منطق آمن به، رأي بلدًا جريحًا يحتاج الدفاع عنه، لذا تري أعماله بها بشر يتعذبون من البشر، وهو ما عبر عنه بقوله: الفقراء يدفعون حياتهم ثمنا للأغنياء. وأكمل: القعيد أضاف للرواية المصرية، حين لملم طفولته ومعرفته وناسه بإحساسهم بالرحيل الأبدي في الموت، وعجن كل هذا في نشيد كتبه في أكثر من 15 رواية.