ما أكرمك وما أرحمك يا سيدي يا رسول الله وأنت تترفق بأعدائك، وتلتمس لهم العذر عسي أن يعودوا إلي رشدهم: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون". دعاهم صلي الله عليه وسلم إلي عبادة الله وحده، فاتهموه بالسحر والشعر والكهانة. ثلاثة اتهامات متوارثة واجهها رسل الله وأنبياؤه: "كذلك ما أتي الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون". قدم لهم الأدلة والبراهين، وأقام عليهم الحجج. تفننوا في الإساءة إليه بكل صنوف التطاول والتجاوز. بعضهم قسا عليه، وأغلظ له القول بما لا يتحمله بشر. أرسل إليه ربه ملك الجبال ليأمره بما يشاء. قال ملك الجبال مخاطباً الرسول صلي الله عليه وسلم: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، أي الجبلين المحيطين بمكة. كان عرض ملك الجبال يضمن القضاء عليهم قضاء مبرماً، ويحقق راحة الرسول من أذاهم، ويخلصه من بذاءاتهم. ولو كان الرسول صلي الله عليه وسلم أقر ملك الجبال علي عرضه ما جرؤ أحد علي اتهامه. فهذا رسول الله نوح عليه السلام. لم يجد أمام أذي قومه وتطاولهم إلا أن يدعو الله أن يقطع دابرهم: "وقال نوح رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا". وهذا رسول الله موسي. عليه السلام. لم يجد حرجا من أن يدعو ربه أن يمنع إيمان فرعون وحاشيته حتي يروا العذاب الأليم: "وقال موسي ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس علي أموالهم وأشدد علي قلوبهم فلا يؤمنوا حتي يروا العذاب الأليم". لقد سبقت مجيء ملك الجبال أحداث مؤلمة من قوم قصدهم ليمنعوه أذي أعدائه. لم يجدهم كما تمني مروءة وشهامة. سخروا منه. تساءل أحدهم مستنكرا: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟ أغروا به سفهاءهم الذين ظلوا يرمونه بالحجارة حتي أدموا قدميه. أسرع إلي رحاب ربه يشكو قسوة قلوبهم وتجبرهم: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي، وهواني علي الناس، يا ارحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلي من تكلني؟ إلي بعيد يتجهمني، أو إلي عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي". ما أن انتهي من دعائه حتي جاءه ملك الجبال. لم يشأ أن يقره علي عرضه أن يطبق عليهم الجبلين. تجلت رحمته بأعدائه. قال في حسم: "أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا". أذي شبيه يتكرر في عصرنا من أناس احترفوا معاداة رسولنا وديننا. استضعفوا أمتنا، واستثمروا تخلفها، وعمقوا تفرقها. أحدثوا الفتن بين أبنائها. أحالوهم إلي أعداء يضرب بعضهم رقاب بعض. ركزوا حقدهم وغدرهم وخستهم في الإساءة إلي الرسول في شخصه وأهله وأصحابه ودينه. تارة بفيلم قبيح،، وأخري برسوم بذيئة. "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر". عواصف الغضب غطت أرجاء الدنيا حتي أسمعت الأصم تحذيرها: "إلا رسول الله". الأحداث المتلاحقة وضعت أمتنا أمام تحد خطير يتعلق بمصيرها. فإما أن تحيا كريمة مهابة، أو تبقي ضعيفة مفككة مسرحا للتطاول عليها دون رادع. أصبحنا جميعاً مسئولين عن استعادة تضامن الأمة. واجبنا إخراجها من النفق المظلم الذي انحشرت فيه بفعل فاعل. عشر مهام عاجلة يمكنها أن تسهم في استعادة هيبة الأمة، ووقف "غثاء" الإساءات إلي رسولها ودينها: ان تصفو النفوس، وتبرأ من أدران الأنانية والحسابات الشخصية والمصالح الضيقة ويخلو الجميع إلي ربهم، ليجددوا العهد علي نصرة نبيهم وأمتهم. - أن تعمد مؤسسات الأمة السياسية والدبلوماسية وفي مقدمتها وزارتا الخارجية والتعاون الدولي والسفارات. إلي وضع قضية الإساءة الي الإسلام ورسوله بنداً دائماً علي جداول محادثاتها مع المؤسسات الغربية المناظرة. يجب تعريف الغرب بأن الإساءات المتكررة الي الإسلام ورسوله تعرقل جهود تعميق العلاقات بين الشعوب. - السعي لدي الدول الغربية الصديقة لاستصدار قوانين باعتبار الإسلام ديناً رسمياً ضمن الأديان المعترف بها لديها. ويمكننا أن نسترشد بالوضع في النمسا التي احتفلت أخيراً بمرور مائة عام علي اعتبار الإسلام من الديانات الرسمية فيها. - تكثيف الجهود العربية والإسلامية لدي الدول الغربية الصديقة. بالتعاون مع منظمة اليونسكو لتنقية مناهجها التعليمية من الأفكار المعادية للإسلام ورسوله. فماذا تنتظرون من شاب قضي سنوات عمره الأولي يتعلم أن المسلمين إرهابيون وأن القرآن من تأليف محمد، وأنه يحرض علي قتالهم؟ - السعي فرادي ومجموعات لدي المنظمات الدولية والإقليمية، لاستصدار قرارات لتجريم ازدراء الأديان، والإساءة الي الأنبياء والرسل. - توجيه أنشطة لجان "حوار الأديان" لتعزيز القيم المشتركة وإحباط محاولات تأجيج الصراعات بين المسلمين والغرب من ناحية وإشعال الفتن داخل الأوطان العربية والإسلامية من ناحية أخري. يجب التوقف فوراً عن حوارات الاحتفالات والمجاملات والفسح. ضررها أكبر من نفعها. - تطوير الخطاب الإسلامي الموجه الي الغرب باللغات الأجنبية، وتحديث وسائله، للوصول الي رجل الشارع الغربي المخدوع في إعلامه وتعليمه، والمحاصر عن عمد بثقافة الكراهية للإسلام ورسوله. - التعريف بسماحة الرسول ورحمته وتفنيد الأكاذيب التي يروجها خصومه ضده ببراهين عقلية ومنطقية يتقبلها العقل الغربي، ذلك أن ما يساق للمسلم من حجج وأدلة قد لا يصلح مع غيره. - دعم رسالة المراكز الإسلامية للتوعية بحقائق الإسلام، وبيان أنه دين محبة وسلام. يرفض العنف، ويدين التطرف ويحارب الإرهاب. يحمي دماء مخالفيه في العقيدة ويصون حقوقهم. يجعل الاعتداء علي شخص واحد بغير حق عدوانا علي البشرية كلها. - علي المسلمين في كل مكان الإقلاع عن التصرفات الخاطئة التي تمنح أعداءهم فرصاً للتآمر علي أمتنا، والإساءة لرسولنا والتشكيك في ديننا.