قدر الشعوب العظيمة ألايكون مرورها علي مسرح الإنسانية عابرا, بل يكون حافلا بالدوي الايجابي والأثر الفاعل وبعد النظرة التي تصعب علي الأخرين. ومنذ بداياتها كانت مصر منارة متألقة للإنسانية وملاذا مؤتمنا للفكر الإنساني ومرجعية موثوقة لحقوق البشرية وفضاءاتها التي تدور في فلكها,فلا ينتقص دورها ضليع في الشأن العالمي, ولايتعامي عن أهميتها عالم بحقب التاريخ الطويلة وواقع الأيام الحاضرة, وحيثما يمم الإنسان السوي وجد أثر مصر حيثما يحب وكما يحب. مراهن علي السراب ذاك الذي يظن أن النور سيغير لونه, أو أن الظلال ستخالف كياناتها, ومغالط للمنطق من ظن أن مصر قد لاتكون في صف العرب لمجرد أنه يشاركها من الثورة مسماها لاحقيقتها, ومناقض للواقع ذاك الذي قد يمر بباله أن مصر العرب لاتهتم بحال شقيقاتها الخليجيات في هذه الفترة المفصلية من تاريخ الأمة العربية, أو أنها ستغض طرف الاهتمام بما يحاك سرا وتطيش سهامه بين الفينة والأخري جهارا نهارا من بعض القوي التي تمر بمرحلة مراهقة سياسية وعبث ايديولوجي وتجر المنطقة الي أتون التصعيد والتأزيم! عندما وقف الرئيس محمد مرسي في افتتاح مؤتمر عدم الانحياز ليضع النقاط علي كثير من الحروف المهملة, ويؤكد من جديد أن مصر كانت ولا تزال تقف في صف شقيقاتها العربية وحقوق شعوبها في اختيار مستقبلها الذي تشاء, كان هناك من يعبث دون حياء بتغيير المسميات ليخرج كلام الرئيس المصري عن سياقه الذي أراد, وبدلا من أن نسمع اسم سوريا كان المترجم يذكر اسم دولة خليجية تحاول تلك الدولة أن تجرها لحرب أهلية وأن تثير فيها وفي أخواتها المجاورة لها فتنة طائفية لم نسمع بها من قبل ولم نشعر بوجودها قبل أن تحاول تلك الأجندات المؤدلجة إشعال فتيلها! ثم أتت كلمة الرئيس من جديد في الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة العربية في اجتماعه العادي138 علي مستوي وزراء الخارجية والذي أكد فيه دعم مصر ووقوفها بجوار دول الخليج في جهودها لتأمين أمن واستقرار الخليج العربي, وأن مصر ملتزمة بعدم تصدير الثورة الي الخارج, وان مصر تري أن سياسة الجوار العربي يجب أن تقوم علي مباديء أهمها الحفاظ علي وحدة وسلامة وعروبة المنطقة العربية, ورفض أي محاولة لتهديد أي قسم منها أو المساس بسيادة أي قطر عربي وهو ما يعد رسالة واضحة لبعض القوي التي تمر بمرحلة نزق سياسي جر المنطقة الي تأزيم دولي كانت في غني عنه لو احترمت المواثيق الدولية والتزمت بحقوق الجوار, والتي ظنت واهمة أن بإمكانها تجيير زخم الثورة المصرية لدعم أجنداتها العابثة بأمن دول الخليج وسوريا ولبنان, فكانت كلمة سيادة الرئيس صراحة تلغي أي ظن, ووضوحا ينفي كل شبهة, أن مصر كانت ومازالت وستبقي عونا لشقيقاتها وردءا مانعا لها,فهي معهم في ذات الخندق طالما كان ذاك خيار شعوبها, وكم كان ملفتا وجميلا ذلك التثمين لدور المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي في تأمين واستقرار منطقة الخليج ودرء أي محاولة للهيمنة أو التدخل في شأنها الداخلي. وأضاف إمعانا في توضيح الصورة ومنعا لأي تفسير مغلوط أنه: لا يمكن أن يقوم التعاون بين الدول العربية إلا علي قاعدة إعلان صريح وواضح باحترام سيادة الدول العربية وعدم التدخل في شئونها وهو ما كان واضحا بأنه إشعار للجميع بأن التدخل في الشأن الداخلي لدول الجوار أمر مرفوض, ولئن رفض هذا المسلك علي الدول العربية فيما بينها فهو علي من سواها أولي وبرفضه منها أجدر وأحق, ولم تكن تلك الكلمة إلا تأكيدا صريحا علي عودة مصر القوية إلي محيطها العربي وإلي استعادتها لدورها القيادي الفعال وتغيير موازين القوي التي تحرك خيوط اللعبة في المنطقة العربية والشرق الأوسط بأكمله! وفي ذات المنحي وصف سعادة علي سالم الدقباسي رئيس البرلمان العربي في بيان له خطاب الرئيس المصري بأنه يمثل رؤية ثاقبة وواقعية لمجمل الأوضاع في العالم العربي, ويعيد مصر إلي مكانتها الطبيعية في قلب الأمة العربية, واعتبر أن كلمة الرئيس مرسي تعد برنامج عمل للتطوير وإصلاح منظومة العمل العربي المشترك, بإدخال تعديلات حقيقية علي آليات جامعة الدول العربية القائمة حتي يشعر ويقتنع المواطن العربي بجدواها, ومن جهته أوضح الشيخ خالد بن أحمد الخليفة وزير الخارجية البحريني أن خطاب مرسي هو: الأهم الذي يستمع إليه من زعيم عربي طوال حياته العملية, إذ جسد المواقف المصرية بكل قوة وعمق تجاه العديد من القضايا العربية والتحديات التي تواجه المنطقة والأمن القومي العربي. لم تسم العرب مصر كنانتها عبثا, ولم تهف أفئدتهم تجاهها دون سبب, بل كان الحب والتقدير والثقة المتبادلة هو السر, وتجارب الزمن ومواقف مصر المشهودة خلال تاريخ العرب الطويل هو المرجعية الفكرية للشعوب العربية قاطبة, فلا غني للعرب عن مصرهم وكنانتهم ولا غني لمصر عن محيطها العربي وبعدها الاستراتيجي من خلالهم, وإن كان الحاضر تكتنفه بعض التأزيمات الإقليمية التي أشعلها البعض, فإن التكامل والتقارب والتعاضد بين الدول العربية هو ذاك النور الذي يبدو في نهاية النفق المظلم, وإن الحفاظ علي المكتسبات والعمل علي اللحاق بالعالم المتقدم يستلزم جهدا كبيرا وتعاونا صادقا بين الدول العربية واحترام خصوصية كل بلد ونمطه الداخلي المختلف, فهنيئا لنا عودة مصر, ولتهنأ مصر فإنها في نبض قلوبنا. كاتبة اماراتية