لا يكاد المرء يناقش أحدا في مسألة فوائد القروض, إلا ويجد من المغلوبين علي أمرهم دفاعا شديدا عن نظامها, وأنها من وجهة نظرهم هي النظام الذي ينبغي أن يسود وإلا انهار اقتصاد المجتمع والعالم. إلي غير ذلك من عبارات جوفاء تلهج بها ألسنة من لم يعرفوا غيرها, مع أن شرع السماء أوجد نظاما يحقق الخير والنماء والصلاح لهذا الاقتصاد وذاك, إلا أنه لا يقوم علي نظام الفائدة علي القرض, بل علي نظام الربح الناتج عن المشاركات, ولكن لا يتصور من أمثال هؤلاء المنبهرين بنظام الفائدة علي القرض, أن يسلموا بأمر لا يعلمون عن حقيقته شيئا, ليطرحوا ما أفنوا فيه عمرهم, إلا بعقد موازنة بين النظامين, ليهلك من هلك عن بينة, ويحيا من حي عن بينة. ويكفي للوقوف علي الفرق بين نظام الربح المبني علي المشاركة, وبين نظام الفائدة المبني علي القرض, أن نعقد موازنة بينهما للوقوف علي وجوه المصلحة أو الضرر من اتباع أيهما, فقد حرم الإسلام الفائدة لما تشتمل عليه من ظلم وعنت وجور بين العباد, وأباح الربح لما فيه من العدل والإصلاح بين الناس, ولنتأمل في بعض الآثار الاقتصادية, فالربح يحقق الأهداف التنموية للبلاد علي عكس ما تؤديه الفائدة, ذلك أن من المعروف أنه فيما عدا بعض القروض التنموية الممنوحة من هيئات متخصصة, فإن سوق القروض يعد سوقا قصيرة الأجل, بمعني أن المقرضين في الغالب يتحاشون الإقراض طويل الأجل, خوفا من تقلب أسعار الفائدة أو تدني القوة الشرائية للنقود أو التغير في معدلات الصرف, ولذا يبدو التعارض قائما بين أهداف المقرضين وسلوكهم, وبين الحاجة للاستثمار طويل الأجل في معظم المجالات الاقتصادية الحيوية, والتي لا تتحقق إلا باعتبار الربح معيارا للإنتاج. كما أن نظام الربح يضمن تحول رأس المال في المجتمع إلي رأس مال منتج, يساهم في المشروعات الصناعية والزراعية وغيرها, بينما في نظام الفائدة يودع الناس فائض أموالهم النقدية في البنوك مقابل فائدة منخفضة السعر يقررها البنك لودائعهم, ثم يقوم بتحويل هذه الأموال إلي خارج البلاد واقتضاء فوائد مضمونة عليها, دون أن تشارك هذه الأموال في التنمية الاقتصادية. فضلا عن أن الربح عامل مهم لتوزيع الموارد الاقتصادية, بخلاف الفائدة التي تعتبر أداة رديئة ومضللة في تخصيص الموارد, ذلك لأن آلية الربح تشجع علي توجيه الأموال إلي الاستثمارات الأعلي جدوي, والأكبر إدرارا للعائد, بينما تتحيز الفائدة بصفة رئيسية للمشروعات الكبيرة التي تحصل بحجة ملاءتها علي قروض أكبر بسعر فائدة أقل, بصرف النظر عن إنتاجيتها, مما يساعد علي تركيز الثروات في أيدي قلة قليلة من المرابين. كما أن الربح ناتج عن ارتباط المال بالعمل, فالتدفقات النقدية التي تتحقق وفقا لهذا النظام مرتبطة بتدفقات مقابلة من السلع والخدمات الضرورية للمجتمع, بخلاف نظام الفائدة, حيث تنطوي عمليات منح الائتمان في المصارف التقليدية, علي زيادة كمية النقود المعروضة بما يسمح بمزيد من الضغوط التضخمية. هذا بالإضافة إلي أن البنوك في استغلالها للودائع بنظام الفائدة, إنما تخلق نقودا مصطنعة هي ما يسمونه بالائتمان التجاري, وهي بهذا تغتصب وظيفة الدولة المشروعة في خلق النقود, بما يحف هذه الوظيفة من مسئوليات, ولا ينفرد بهذا الرأي علماء المسلمين, بل أجمع كثير من علماء الاقتصاد في الغرب علي أن الائتمان الذي تقدمه البنوك سواء كان في صورة قروض استهلاك أو إنتاج, من شأنه أن يزعزع النظام الاقتصادي, لأن التعامل في البلاد الرأسمالية لم يعد بالذهب أو بالفضة أو بأوراق النقد إلا في القليل النادر, أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الازهر [email protected]