ثلاث كلمات تعلمتها طيلة سنوات لم تغادرني معانيها ومبانيها الأولي: لاتخون من يخالفك في رأي سياسي ولاتكفر من يخالفك في رأي ديني وكنت لاأزال طالبا غضا في الفرقة الأولي من سنواتي الجامعية. والثانية: لاتعط اذنيك لكل ناعق والضجيج لايعني الغلبة فليس كل صاحب ضجيج هو صاحب حق وصاحب حقيقة, والثالثة: كانت كلمة منهجية فلسفية في تناول الأمور وتأويلها وهيضرورة التفريق بين ارادة العقيدة والأيديولوجيا وارادة المعرفة فالأولي تدخلك علي المسائل والمشكلات باجابات جاهزة ومسبقة وتعلم المرء عقلية القطيع والاتباع أما الثانية فتجعلك مستكشفا متحليا بالتساؤل وفضيلة التحليل والموضوعية وتفتح آفاق الاختلاف وتبادل الاعتراف! أما أجمل ماسمعت وتعلمت في حياتي فهو الحب والاحترام والقبول بالآخر, دينيا كان أو سياسيا أو فكريا أو اجتماعيا.. ولكن هذه المباديء مع غلواء التعصب وفوضي الحوار وغواية الاثارة وغيبة الاستنارة تكاد تضيع أجمل مانعرف في بلادنا بدءا من قرانا الصغيرة حتي مدننا ومؤسساتنا الكبيرة! وظللت اتساءل أحيانا عن الفارق بين الغربة والوطن وهل صار هناك وسيط يمكن أن نسميه اللاوطن حين نفقد الاحساس بالأمان في الوطن! ربما الغربة أسهل التعريفات حيث تعني البعد عن الموطن وعن ذويه ولكن قد يذوب هذا مع الوقت متي حضر الاحترام وحفظت الحقوق والواجبات وصار التواصل ممكنا كل لحظة مع الأهل والوطن! فهل يمثل الأمان حدا فاصلا بين شعور الوطن واللاوطن! أم هو الاحساس بعدالة القانون وحمايته والمساواة بين جميع المواطنين؟! يمثل حضنا دافئا يعطينا معني الوطن واحساسه! فنشعر بخضرته وأننا فيه ولسنا غرباء عنه أو مغتربين بين جنباته! ماأشبه الوطن بالصديق الذي يفقد صداقته بالكذب أو الخيانة أو الغدر وتشوه العلاقات وفسادها وكما قال الشاعر: وغدر ذوي القربي أشد مضاضة علي النفس من وقع الحسام المهند متي كان غدر الصديق تخسره راضيا, ومرتاحا, ربما للأبد بعد أن كان بينكم من ود, ولكن ان أمكن خسران الصديق كيف يمكن خسران الوطن متي غدر بمواطنيه أو بمعني أدق غدر به مواطنوه, في هذه الحالة يضيع الانتماء وندور سكاري يملؤنا الحزن في دائرة اللاوطن! فالغربة تكون فقط بعيدا عنه أما الغربة فيه فهي شعور اغترابي مقيت يعني اللاوطن! يعني الاغراق في التوحد أو الذاتية أو التوحش أحيانا كثيرة! قصص كثيرة متشابهة تطالعك أينما ذهبت, بدءا من شجارات شباب يافع بلا هوية انتهت بهم الي القتل والحزن! قصص كثيرة تتحدث عن ذمم ميتة لبعض من يدعون الذمة والدين رجال دين أحيانا وأهل قانون أحيانا ومنتفخين سياسيا أو شعبويا انتفاخا لايقوم به من يستحقه أصلا أحيانا أخري ومثلهم كمثل من قال الله فيهم يخادعون الله والذين آمنوا ومايخدعون الا أنفسهم ومايشعرون ليس أحدهم ذلك الامام الورع أحمد بن حنبل الذي رفض أن يدخل المسجد وهو يزاحم الثمانين من عمره فبني له تلامذته رافعة من الطوب يستند اليها عند دخوله المسجد جارت علي حق الطريق العام, فأبي أن يدخل المسجد الا بعد ازالتها وازالة هذا الجور علي حق الناس فلن يعبر لحق الله علي حقوق الناس والحق العام! غابت صلة الأرحام وحضرت صلة المصالح وغابت فكرة الاعتراف بالفضل والتواضع الانساني الجميل الذي يشعر محدثك أنه أفضل منك وأنك أحرص عليه من نفسك قليل فينا من يصح فيه قول زهير بن أبي سلمي: أخي ثقة لاتتلف الخمر ماله ولكنه قد يهلك المال نائلة تراه اذا ماجئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله واختم بعتب رمضاني كريم علي من شمتوا في وفاة اللواء عمر سليمان رئيس الجمهورية السابق, من أبناء الجماعات الاسلامية, الذين حاسبوه علي ماض بريء بعضهم منه في السابق وقدموا مراجعاتهم تصحيحا له واعتذارا شجاعا عنه, ومن رأوا فيه كارت ارهاب كذلك لغيره, فلم يترحموا عليه كما لم يشاركوا في جنازته.. لهؤلاء اقول ليست هكذا تبني الأمم.. وتعلموا من نبيكم ان أردتم بناء! الوطن يجمعنا ولايطرح منا ولكن البعض يريدون اختزاله في أنفسهم..!