لا تخلو أي دولة من الفساد. ولكن الفساد درجات وأنواع أخطرها الفساد الاجتماعي والسياسي, وتفعيل القانون ضد هذا الفساد يلعب دورا حيويا في تقليصه. ولم تعد أي دولة خالية من الإرهاب, ليس فقط من جانب الإرهابيين بالمعني التقليدي. إذ يمكن أن نضع جرائم القوميين المتطرفين والفاشيين ضمن مفهوم الإرهاب أيضا. في29 مارس الماضي فجرت إرهابيتان نفسيهما في مترو أنفاق موسكو ما أسفر عن مقتل40 شخصا وإصابة ما يقرب من95 آخرين. التفجير الأول وقع في محطة مترو' لوبيانكا' التي تقع مباشرة تحت مبني هيئة الأمن الفيدرالية( مبني كي جي بي سابقا) وعلي بعد700 متر فقط من الساحة الحمراء والكرملين حيث مركز اتخاذ القرار. والثاني في محطة مترو' بارك كولتوري' التي تقع علي مقربة من مقرات وسائل إعلام مرئية ومكتوبة سواء محلية روسية أو أجنبية. الرسالة واضحة تماما. علي الفور أعلن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن بلاده مصممة علي مواصلة مكافحة الإرهاب, وتوعد رئيس وزرائه فلاديمير بوتين من وقفوا وراء تفجيري مترو موسكو بالإبادة. واقترح الأول دراسة إمكانية إدخال تعديلات علي الإجراءات القضائية المتعلقة بالجرائم الإرهابية. بينما قال الثاني إن العثور علي مدبري التفجيرين يعتبر قضية شرف بالنسبة لأجهزة الأمن والداخلية الروسية. تصريحات الرئيس الروسي ورئيس وزرائه لقيت تفسيرات متعددة ومختلفة. فهناك من يري فيها بداية حملة عسكرية روسية جديدة في جمهوريات القوقاز الروسية, وهناك من يعتبرها إشارة لحملة ضد القوقازيين والملونين في روسيا. غير أن خبراء أكدوا أن ميدفيديف أمر بمراعاة حقوق جميع مواطني روسيا الاتحادية أثناء تنفيذ الإجراءات المشددة لمكافحة الإرهاب. ووصفوا ذلك بالضمانة الأكيدة لعدم الاعتداء علي حريات المواطنين. بينما اتهم وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قوي خارجية بتدبير الانفجارين, محذرا من المنطقة الخالية بين أفغانستان وباكستان والتي تستخدم لإعداد وتجهيز الكوادر الإرهابية. بعد48 ساعة بالضبط(31 مارس) وقع تفجيران انتحاريان في مدينة كيزليار الداغستانية, ما أسفر عن مقتل12 شخصا أغلبهم من رجال الشرطة, وإصابة حوالي30 آخرين. وعلي الفور أعلن الرئيس الروسي ورئيس وزرائه أن التفجيرات الانتحارية في مترو أنفاق موسكو ومدينة كيزليار حلقتان في سلسلة واحدة. بعد ساعات قليلة من ذلك ظهر تسجيل مرئي لقائد مجاهدي القوقاز دوكو عمروف يعلن فيه مسئوليته الشخصية عن العمليات الانتحارية الأخيرة في روسيا. واعترف بأنه هو الذي أمر بتنفيذ هذه العمليات. وجاء في الشريط المصور بتاريخ29 مارس أنه' تم تنفيذ عمليتين خاصتين في موسكو, وأنهما لن تكونا الأخيرتين'. وشدد علي أن عملية إرهابية ستنفذ في المستقبل المنظور انتقاما لرفاقه الذين تمت تصفيتهم من قبل جهاز الاستخبارات الروسي. الأجهزة الأمنية الروسية تري أن نجاحها في تصفية قياديين بارزين في القوقاز( أنزور أستيميروف الملقب ب'سيف الله' وألكسندر تيخوميروف الملقب ب'سعيد البورياتي') كان دافعا لما حدث. فالأخير وقف وراء تفجير قطار' موسكو- سانت بطرسبورج' في العام الماضي. وهو نفسه الذي جند نحو30 شخصا من السكان المحليين في الأقاليم القوقازية لتنفيذ عمليات انتحارية. وقد فجر9 منهم أنفسهم بينما يظل بقية هذا العدد قنابل موقوتة لا يعرف أحد متي وأين ستنفجر. في1 أبريل الحالي وقع انفجار آخر في مدينة خسفيورت الداغستانية, مما أسفر عن مقتل اثنين علي الأقل. ولم يتم التركيز كثيرا علي هذه العملية التي سبقت الزيارة المفاجئة للرئيس الروسي إلي العاصمة الداغستانية' محج قلعة'. هناك التقي ميدفيديف مع رؤساء الأقاليم القوقازية, حيث وجه رسالة هامة قد تكون مفيدة لدول أخري, خاصة وأنها تلمح لفساد ما في الأجهزة الأمنية, وتقاعسا وفسادا في أوساط رجال الأعمال. إذ أعلن, في شبه دعوة أو أمر, أن رجال الأعمال الكبار ملزمون بالمساهمة في تطبيع الوضع الاجتماعي الاقتصادي في القوقاز. ورأي أنه' لا يجوز توظيف كل شيء في موسكو وفي الخارج, ويجب تسديد الدين'. وحدد البرنامج عدة نقاط أساسية, من بينها تعزيز الأجهزة الأمنية, وتوجيه ضربات ساحقة للإرهابيين, ومساعدة من يقطعون العلاقات معهم, وتنمية المنطقة اقتصاديا وعلميا وثقافيا. وفي2 أبريل التقي ميدفيديف مع زعماء الكتل النيابية, محذرا من أن الذين يقومون بالأعمال الإرهابية يحاولون إحداث شق في الوعي الاجتماعي. واقترح تشديد معاقبة المتعاونين مع الإرهابيين. واعتبر المراقبون هذا اللقاء بمثابة محاولة من جانب الكرملين تشكيل قاعدة انطلاق واحدة علي المستويين الشعبي والحزبي لمكافحة الإرهاب, ووضع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان أمام مهمة خاصة تتعلق بضرورة منع أي احتكاكات قومية أو دينية في روسيا التي تضم العديد من القوميات والديانات. إضافة إلي ذلك, رأي قطاع من الخبراء أن ميدفيديف يمهد لتقديم مشاريع قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب ويرغب في ضمان تمريرها في البرلمان. وقد يكون من ضمنها إعادة العمل بحكم الإعدام الذي تم تجميده منذ سنوات طويلة في روسيا. إإذن, فمكافحة الفساد عموما, وفي الأجهزة الأمنية علي وجه الخصوص, والوقوف في وجه جشع رجال الأعمال وطواغيت المال, جزء من رزمة إجراءات متشابكة لمكافحة الإرهاب. ولكن لماذا النساء في غالبية الأحوال هن اللائي يقمن بالأعمال الانتحارية؟! لا يجب التقليل من شأن المرأة والسير علي خطي وسائل الإعلام الغربية التي تعتبر أن عدم تحقق المرأة أو حزنها علي من فقدتهم أو تواضع جمالها يدفعها إلي الانتقام, بينما الرجل يفعل ذلك من أجل المبادئ. هناك ما هو أهم وأخطر حتي لا نخلط بين' الذباب والكوستليتة وفقا للمثل الروسي', ولكي لا نقع في التعميم وننسف قضايا أخري. فقد تم تحديد هوية من نفذتا تفجري موسكو. الأولي هي الداغستانية جنات عبدورحمانوفا( البارا) وتبلغ من العمر17 سنة, وهي أرملة أومالات محمدوف( البار) زعيم مقاتلي عموم داغستان الذي تمت تصفيته في عملية أمنية خاصة في31 ديسمبر2009, هذه السيدة لها نشاطات سرية سابقة, وانضمت إلي إحدي المجموعات بعد أن أقامت اتصالا بزعيم مقاتلي مدينة خسفيورت ثم بأومالات محمدوف. ويقال أنه تعرف بها عندما بلغ عمرها16 سنة عن طريق الإنترنت, ثمالتقي بها ونقلها إلي قاعدته. وفيما يتعلق بالانتحارية الثانية, فهي الشيشانية مارخاأوسترخانوفا التي لا تتوفر بعد معلومات كاملة عنها. ولكن حسب الملفات الأمنية, تعتبر من المفقودين منذ فترة. ومن بين المواصفات الخاصة بها أنها تملك ندبة في ذقنها من جهة اليمين وشامة في ردفها الأيمن. وقد تم اكتشاف ندبة كهذه لدي الانتحارية التي فجرت نفسها في محطة مترو' بارك كولتوري'. لا شك أن التجاوزات في تنفيذ إجراءات مكافحة الإرهاب أودت بحياة كثيرين لم يكن لهم ذنب في شيء. فكيف يمكن أن تعيش امرأة فقدت زوجها وأولادها بنتيجة عملية أمنية لمكافحة الإرهاب؟ كيف لفتاة فقدت جميع أفراد أسرتها في هجوم شنته قوات الأمن علي بيتها؟! كيف لفتاة تم الاعتداء عليها أثناء حملة ما لاعتقال أبيها أو أخيها؟ من جهة أخري هناك نساء وفتيات تجندن طوعا من أجل تحقيق أفكار ومبادئ تعلمنها وآمن بها سواء في المدرسة أو الجامعة أو في الأوساط اللائي يختلطن بها, ما يجعلنا نفكر بشكل أعمق فيما يتعلق بالصورة النمطية عن المرأة' التابعة' والمرأة' المغلوبة علي أمرها' والمرأة' المظلومة' والمرأة' التي يجب أن تتزوج لتنجب وتربي الأطفال'..