ينتظر المصريون بشغف القرارات التنفيذية الأولي للرئيس مرسي, خاصة اسم رئيس الوزراء والتشكيلة الوزارية والفريق الرئاسي من النواب والمستشارين والمهام المحددة لكل منهم. ستكون هذه القرارات بمثابة خطوة أولي للحكم علي الطريقة التي سيحكم بها الرئيس من جانب, وإلي أي مدي سيفي بجانب مهم من وعوده التي أطلقها إبان مرحلة الانتخابات تجاه كل القوي السياسية تقريبا باعتباره مرشحا للثورة وملتزما بأهدافها الرئيسية من جانب آخر. والصحيح هنا أن الخطابات الثلاثة الأولي في ميدان التحرير وجامعة القاهرة وفي احتفال تسلم السلطة في منطقة الهايكستب العسكرية, ورغم تنوع جمهور المتلقين في كل منها, فإنها حملت الكثير من رسائل الاطمئنان والتقرب إلي العديد من الفئات والقوي الرئيسية في المجتمع, وبما يجعل الأمر مبشرا بنسبة معقولة. ومع ذلك سيكون من الصعب الاكتفاء بهذه الخطوات الرمزية الأولي للحكم علي الرئيس مرسي ومنهجه في نقل مصر من حال إلي آخر. إذ ستظل هناك حاجة إلي وضع معيار أكثر شمولا لمحاسبة الرئيس من حيث الأداء والنتائج الفعلية, وبحيث نصبح أمام منهج علمي بعيدا عن المزايدات السياسية والمناكفات اللفظية والصراخ المفتعل في الكثير من برامج التوك شوفي الفضائيات المصرية المختلفة. وفي تصوري المتواضع هناك أربعة عناصر رئيسية متكاملة يمكن أن تشكل أساس الحكم والمحاسبة لأداء الرئيس مرسي, وهي حماية الأمن القومي والمؤسسات المكلفة به, وثانيا حراسة الدستور والقانون والالتزام بهما دون تردد, وثالثا الالتزام بتطوير التحول الديمقراطي, ورابعا تحسين حياة المصريين اقتصاديا وسياسيا. وبالطبع ففي كل عنصر توجد مجموعة من العناصر الفرعية المهمة. فحماية الأمن القومي تتشكل من ردع العدوان وحماية الأرض وما فيها من موارد وحراسة نمط الحياة التي ارتضاه المصريون عن طيب خاطر. أما المؤسسات المكلفة بالامن القومي فتشمل القوات المسلحة والمخابرات بالدرجة الاولي ومعهما وزارة الخارجية, إضافة إلي التعليم والإعلام باعتبارهما معنيين بتشكيل وصياغة حالة الانتماء والولاء للوطن لدي المواطنين في المراحل العمرية المختلفة. وإذا كان الرئيس مرسي تعهد علنا بتوفير كل متطلبات القوات المسلحة وكذلك الشرطة, لكي تقوم كل منها بالدور المنوط بها, فتلك خطوة محمودة في حد ذاتها, ولكنها تتطلب تأكيدا آخر والتزاما صارما بعدم السماح بأي تغلغل حزبي لمؤسسات الأمن القومي, والحفاظ علي قومية هذه المؤسسات بدون أية شائبة. وقس علي ذلك حراسة الدستور بعدم الخروج علي أحكامه ومقتضياته والالتزام الحرفي بالقوانين النافذة والابتعاد عن النصائح الفاسدة لبعض القانونيين الذين يتحايلون علي ما هو واضح من احكام قضائية نافذة لا يجوز الطعن عليها. أما الالتزام بالتحول الديمقراطي فجوهره تعميق المشاركة المجتمعية والحريات العامة والمواطنة والمساواة ومنع التمييز لاي سبب كان وإعلاء الكفاءة وترسيح قيم التسامح في المجتمع. وبالقطع فإن من شأن الالتزام الحرفي بهذه العناصر الكلية الثلاثة مع تطبيق شفاف لسياسات اقتصادية تراعي بعد العدالة الاجتماعية وجذب الاستثمارات مع تطوير الأداء الإداري والحكومي والالتزام بمكافحة الفساد, أن تحدث نقلة كبري في حياة المصريين جميعا. وبمفهوم المخالفة فإن النكوص والتراجع عن أي بعد من الأبعاد الأربعة الرئيسية بشكل أو بآخر, سوف يكون له تأثيره السلبي علي باقي العناصر وبالتالي يتراجع مستوي التحسن للمواطنين. وعندها سيكون الحساب المجتمعي عسيرا. وقد يقول قائل أن هذه النوعية من المحاسبة تتطلب وقتا طويلا حتي يمكن الانتهاء إلي حكم عادل ومتآن. وفي ذلك قدر من الصحة المنهجية. غير أن الامر من الناحية الواقعية لا يتطلب سوي أيام معدودة لبناء مؤشرات جوهرية تعين علي المحاسبة أولا بأول. فإذا حدث مثلا أي نوع من الالتفاف المقصود والغامض علي حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب, عبر استفتاء أو اعتبار أن قرار المحكمة لا يمس إلا ثلث البرلمان, وأن الثلثين الباقيين ما زالا يتمتعان بالشرعية كما يقول البعض من ذوي الهوي, سيشكل الأمر ضربة موجعة لعنصر الالتزام بالقانون واحكام الدستور, وتلك بدورها ستقود حتما إلي التأثير السلبي العنيف علي عملية التحول الديمقراطي, وكذلك علي جذب الاستثمارات التي لا تأتي إلا في بيئة تحترم القانون والحقوق, وبالاستنتاج سيكون عسيرا إحداث التحسن المطلوب في حياة المصريين. هذا المثل يعني أن الرئيس ليس أمامه إلا ترسيخ مفهوم دولة القانون والدستور, حتي ولو كان الامر ينطوي علي شئ غير مستحب, فتغييره لا يكون إلا عبر القنوات القانونية نفسها وليس الالتفاف عليها أو الايحاء بوجود تفاهمات يمكن أن تتجاهل القانون أو الدستور ذاته. فإذا أقر القضاء ضرورة تقنين وضع جماعة الاخوان المسلمين, أو حلها فلا بديل سوي الانصياع الكامل لقرار القضاء, تأكيدا لاستقلاله من جانب, والتزاما بمبدأ دولة القانون من جانب آخر. وإذا أقر القضاء عدم مشروعية مجلس الشوري فلا مجال سوي احترام الحكم وعدم التحايل عليه. لقد عانت مصر طويلا من الضرب بعرض الحائط أحكام القانون ومبادئ الدستور وتجاهل حقوق الناس البسيطة, فكانت النتيجة ثورة شعب أطاحت بالظلم والظالمين. والمؤكد أن المصريين الآن يتطلعون إلي حياة سياسية واقتصادية جديدة تماما, وليس إعادة انتاج أسوأ ما كان في نظام مبارك البائد. والمؤكد أيضا أن المصريين الذين تذوقوا طعم الحرية والمشاركة في صنع رئيسهم وينظرون للمستقبل بتفاؤل حذر لن يسمحوا أبدا بالارتداد إلي الخلف.