يشعر المصريون جميعا بالقلق الشديد, ثمة قدر عال من التوتر مصحوب بالأمل أن تكون الانتخابات الرئاسية نقطة فاصلة بين عهدين, وبداية الانطلاق نحو حياة أقل صخبا واكثر إشراقا. سوف تكون الجائزة الكبري للمصريين جميعا أن نعبر الانتخابات الرئاسية بثقة في المستقبل ونزاهة في الأداء, سوف تكون الجائزة لنا جميعا أن نتخطي صعوبات يومي الانتخابات, وأن نتقبل نتائجها أيا كانت. المهم هو المشاركة بأكبر عدد ممكن من الأصوات الصحيحة, والشفافية والنزاهة التامة بلا تردد في كل المراحل, والإيمان بأن القائمين علي هذه العملية التاريخية قد التزموا الأمانة وصانوا العهد مع الله تعالي أولا ومع الشعب ثانيا. لقد قامت السلطات المعنية, بالكثير من الاجراءات القانونية والأمنية لتأمين الانتخابات وضمان شفافيتها وعدم تزويرها, من قبيل تصحيح كشوف الناخبين, ووجود قاض علي كل صندوق, وطبع ورقة انتخابات بها علامة مائية يصعب تزويرها, والسماح برقابة دولية وعربية ومصرية علي الانتخابات منعا للقيل والقال ولمحاصرة حملات التشكيك التي برع فيها البعض في الأسابيع الأخيرة, ووجود المندوبين والمراقبين أثناء عملية فرز الأصوات في اللجان الفرعية, إضافة إلي إجراءات أمنية صارمة لحماية القضاة, ومنع التجمهر أمام اللجان لأغراض الدعاية أو لغرض الاعتداء عليها من قبل العناصر الخارجة عن القانون المدفوعين من حملة مرشح هنا أو مرشح هناك, وتوفير المناخ الآمن الذي يجعل الناخب مشاركا بدون أي منغصات. ثمة حرص إذا علي أن تكون هذه الانتخابات بداية عهد جديد يليق بالمصريين وثورتهم العظيمة. والحق أنه لا بديل لمصر سوي انتخابات لا تشوبها شائبة, ولا بديل سوي إعطاء الفرصة لكل مصري أن يدلي بصوته بدون مؤثرات رخيصة, وبدون لجاجة في القول أو الدعاية, أو فتنة مصطنعة في الدين أو الدنيا. وتلك في معظمها مسئولية المرشحين الرئاسيين ومؤيديهم والقائمين علي حملاتهم الانتخابية. وتلك أيضا مسئولية عظيمة وتاريخية, فهذه الانتخابات يتطلع إليه المصريون كما يتطلع إليها العالم بأسره; لأنها إما تكشف عن المعدن المصري ذي القيمة والرقي والتحضر, أو تكشف شيئا آخر نربأ بأنفسنا أن نصل إليه. ولذا يصبح لدينا غصة حين نسمع أن حملة أحد المرشحين قد ألزمت أعضاءها بأن يأتي كل منهم بعشرة من الأصدقاء والزملاء في العمل بأي طريقة كانت وأيا كانت المغريات العاجلة أو المؤجلة, وأن يذهبوا جميعا من الصباح الباكر ليقفوا جميعا أمام اللجان الانتخابية ليمنعوا المواطنين الأخرين من دخول اللجان, إلا من يرونهم مؤيدين لمرشحهم المفضل. الغصة هنا شديدة, فالفعل إن تم علي هذا النحو الذي يتحدث به البعض فهو فعل قبيح يتنافي مع القيم والأخلاق ويتنكر للمبادئ السامية التي وعد بها المرشح, ويمنع عموم المصريين من الوصول إلي حقهم في الإدلاء بأصواتهم بكل حرية, ويكشف قناعة هذا المرشح المتعالية علي المصريين من غير المؤيدين له ولحزبه السياسي واعتبارهم غير مؤهلين لاختيار رئيسهم. إنه سلوك يجسد وصاية سياسية وتزويرا فجا يجب أن نستهجنه ونرفضه أيا كان من وراءه. فالتزوير لم يعد فقط في وضع علامة أو أكثر علي ورقة الانتخاب, أو خداع البسطاء من المواطنين واستغلال وضعهم الاقتصادي الحرج, بل صار تزويرا في إرادة الأمة نفسها وهو الشيء الأقبح والأخطر. لأنه يؤدي في النهاية إلي اغتصاب هذا المرشح للمنصب الرئاسي, وعندها ستكون بداية سيئة لعهد لا يستحقه المصريون الذين ثاروا علي الظلم والإقصاء والاستعلاء. نأمل وندعو الله تعالي ألا تحدث مثل هذه المشاهد القبيحة التي يتحضر لها البعض بل ويعلنها صراحة كنوع من استعراض القوة الزائف. ونأمل ثانيا أن يكون المصريون في أعلي درجات اليقظة والحرص علي حقهم في اختيار رئيسهم المقبل, ونأمل ثالثا الا ينصاعوا أبدا لمغريات دنيوية زائلة مهما كان حجمها ومهما كان فيها من سلع سرعان ما يكتشفون أنها لم تكن سوي خدعة حقيرة, وندعو الله العلي القدير ألا يتأثر المصريون بتأويلات دينية ما أنزل الله بها من سلطان, وأن يتجاهلوا كل عمليات الترهيب الديني والوعيد السياسي الفجة بأن البلاد ستشهد انفجارات وتوترات إن فاز فلان أو سبق علان. وإذا كنا نتحدث عن الاختبار وصعوبته, فهناك الجائزة المنتظرة, وهي أن يبدأ المصريون مرحلة جديدة في حياتهم مع رئيس مسنود بشرعية شعبية تتيح له أن يطبق برنامجه الانتخابي, يراقبون أداءه وخطواته, فإن صدق كانوا معه, وإن خلف وعوده حاسبوه في أول انتخابات رئاسية مقبلة وبذلك يضعون اللبنة الأولي لنظام ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة وفقا لإرادة الناخبين الحرة. قد يري البعض في ذلك حلما بعيد المنال, ويراه آخرون ممكنا وإن كان بشروط, وقد يقول آخرون انه المستحيل بعينه. والمنطق هنا يقول أنه لا شيء بلا ثمن, فإن أراد المصريون نظاما ديمقراطيا فعليهم أن يحسنوا الاختيار, وألا يقعوا فريسة دعايات انتخابية وضعتهم بين الكفر والايمان. ولا يعني ذلك أن المرحلة الجديدة إن تمت الانتخابات الرئاسية بكل نزاهة وشفافية وأتت برئيس شرعي لا تشوبه شائبة ستكون مرحلة مليئة باللبن والعسل. الامر لن يكون كذلك فهناك العديد من الصعوبات والتحديات وكثير أيضا من الرفض الذي قد يحوله الخاسرون إلي مواجهات أمنية بشعارات زائفة ومريضة. لكن وعي المصريين سيكون لهم بالمرصاد. وعلي الجميع التذكر أن الانتخابات هي أولا وأخيرا منافسة علي السلطة وهي زائلة مهما طال الزمن بأصحابها, وليست صراعا من أجل الدين كما يصورها البعض زورا وبهتانا.