وانت تقرأ هذه اليوميات في الصفحة الأخيرة ربما تكون »عزيزي القارئ« قد طالعت في الصفحة الأولي المؤشرات الأولية لنتائج انتخابات نقابة الصحفيين التي يفترض لو اكتملت الجمعية العمومية ان تكون قد انتهت بالأمس، ومن المفترض ان تعلن نتائجها النهائية اليوم. ولو مرت هذه الانتخابات - كما نأمل - بسلام ستنتهي معها الفترة المنهكة التي عاشتها الجماعة الصحفيةعلي أعصابها في الآونة الأخيرة، ما بين هرولة في أروقة المحاكم لإنقاذ حصنها المنيع من محاولات تقويض هذا الصرح الشامخ للحريات والديموقراطية وجهود مريبة لوقف الانتخابات اكثر من مرة وإبقاء النقابة في حالة سيولة وتحلل، ومابين حالة استقطاب شديد بين ابرز مرشحَيَْن متنافسين علي منصب النقيب. أياً كانت نتيجة الانتخابات، ثمة مشاهدات وظواهر ملأتني بالغصة لعدم وجود سوابق لها في حياتنا الانتخابية داخل النقابة مهما ارتفعت حرارة المنافسة. ما آلمني هو إصابة الحملة الانتخابية لأحد المرشحَيِْن بحالة هبوط أخلاقي شديدة اتسمت بالتشنيع وإلقاء الاتهامات الباطلة والافتراءات علي سمعة ونزاهة المرشح المنافس. كان من الممكن ان نبرئ الزميل المرشح من هذا الهبوط لو كان يكشف - عن صدق ويقين - فسادا او تجاوزات يمتلك الدليل عليها. وحتي ساعتها كان من الواجب علينا ان نسائله ولماذا لم تتقدم بمستنداتك في حينه للجهات المعنية؟ لماذا اخترت مقعد الشيطان الأخرس وسكت عن الحق؟ وكان من الممكن ان نبرئ هذا الزميل المرشح من حماقات بعض المتحمسين له لو اتسم اداؤه شخصيا في ندوة النقابة بالرصانة والموضوعية التي تكسب المرشح لمنصب النقيب الوقار المطلوب. لكن لأن المرء علي دين خليله اختار ان يتطاول علي قامات رفيعة ترأست النقابة يشهد لها الجميع بالجلال والاحترام، بل وفي غيابها، مما ألهب القاعة التي رفضت هذا السلوك المعيب. وكان من نبل المرشح المنافس حين جاء دوره في الكلام ان يطالب الجميع بالهدوء والتوحد لإنقاذ النقابة وعدم تفتيت وحدة الصحفيين التي نهتف بحياتها دائما. وكان مما أساء للمرشح الأول ان أحاط نفسه ببعض الشخصيات الهلامية الخبيرة بأساليب البلطجة والصراخ والعويل و»رمي الجتت« الذي يصدر من نساء المناطق الشعبية. عبثا انتظرنا كلمة حق من الزميل الذي نحترمه رغم اختلافنا معه، لكن بات واضحا انه اختار اسلوب تكسير العظام والضرب تحت الحزام للفوز بمقعد النقيب بأي ثمن ولو علي حساب سمعة منافسه مع ان ديننا الحنيف ينكر علي المؤمن الفُجر في الخصومة. »المكارثية« في نقابتنا في عام 1950 وفي اوج الحرب الباردة بين القوتين العظميين ظهرنجم السناتور الأمريكي چوزيف مكارثي وكان نائبا للحزب الجمهوري عن ولاية وسكونسن وذاع صيته وأصبح من اشهر الشخصيات العامة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. في تلك الفترة بلغت شكوك الأمريكيين المعادين للشيوعية ذروتها بسبب تأثرهم بالتوترات الناتجة عن الحرب الباردة.وقد ذاعت شهرة مكارثي بسبب ادعائه دون دليل ان هناك عددا كبيرا من الشيوعيين والجواسيس السوڤييت داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية. وتمادي مكارثي في اتهاماته دون سند لعدد كبير من موظفي وزارة الخارجية الأمريكية بأنهم من المتعاطفين مع الشيوعية، ولآخرين بالعضوية في الحزب الشيوعي، وكان يهدف الي إضعاف الثقة في بعض الأعضاء البارزين بالحزب الديموقراطي المنافس.تكثفت حملته العدائية ضد عدد من الوزراء والمثقفين مما أدي الي خلق قائمة سوداء وتم القضاء بها علي الحياة المهنية للعديد من الشخصيات. ومع ان مجلس الشيوخ أدان نشاطاته تلك التي وصفت بالإرهاب الفكري، إلا انه لم يسقط فعليا هو ودعوته إلا بعد ان هاجم الرئيس ايزنهاور شخصيا وكان يحظي بمكانة رفيعة لدوره البارز في الحرب الباردة والضغط علي الاتحاد السوفييتي. لعل القارئ يتساءل عن علاقة المكارثية بنقابة الصحفيين المصريين. وأرجو ألا يصيبه الذهول الذي أصابني أو تنتابه نوبة الضحك التي انتابتني حين سمعت وقرأت ما تردد من اتهامات باليسارية والناصرية في المعركة النقابية التي دارت علي مدي الأسابيع الماضية ونحن نعبر الألفية الثالثة، لا بل وبعد عشرين سنة من سقوط الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفييتي، وفي وقت لم يعد الفكر اليساري تهمة يلتفت اليها. بل ان المتابع لأحداث العالم من حولنا سيلمح قطعاً وسط موجات الاحتجاجات علي الأزمة الاقتصادية التي ضربت اطناب الكرة الأرضية، نوعا من التمرد علي بعض الممارسات الرأسمالية وما تنطوي عليه من تخصيب التربة للفساد، ولابد أن يلحظ تصاعد المطالبات بالعودة الي إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية التي هي جوهر مطالب ثورة 25يناير في مصر والتي لا تتعارض في مضمونها مع المضمون الاشتراكي في الإسلام. لذلك كان من المضحك ان نلاحظ إعادة انتاج اساليب القرن الماضي في المنافسات الانتخابية، وكان من المفزع ان نجد ذلك الإرهاب الفكري في نقابة للرأي كانت هي المنبر لمن لامنبر له. قلاش و»قيادات شاخت علي مقاعدها« كنا شبابا من جيل الوسط حين احتدمت أزمة نقابة الصحفيين مع النظام البائد.أراد النظام الاعتداء علي حرية الصحافة وقصف الأقلام وتكميم الأفواه. ضاق ذرعا بخربشات الصحافة ويقظتها في كشف الفساد، وتفتقت عبقرية ترزية القوانين عن إصدار قانون سيئ السمعة هو القانون 93 لسنة 69. وقتها هبت الجماعة الصحفية عن بكرة أبيها وارتجت جدران المبني التاريخي القديم للنقابة بزئير أصحاب الأقلام وحراس الضمير الوطني. وفي جمعية عمومية طارئة لم اشهد لها مثيلا منذ بدء حياتي المهنية قبل ما يزيد عن ثلاثين عاماً وحتي الآن، اجتمع شيوخ المهنة وكبار الأساتذة مع الشباب من كافة الأعمار. كان الجميع ينتظرون كلمة من الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي كان يراقب الموقف برمته عن كثب لكن دونما تدخل. تحمس الشاب يحيي قلاش وأرسل »فاكسا« للأستاذ هيكل احتوي علي عبارة واحدة. »جمعيتنا العمومية غداً وننتظر كلمتك«. لم يكن الأستاذ قد سمع من قبل بيحيي قلاش، لكنه استشعر حماسة ذلك الشاب النقابي الواعد وأبي إلا ان يستجيب لنداء الواجب. سأل عنه واستدعاه الي مكتبه صبيحة يوم الجمعية العمومية. ذهب قلاش وهو في حيرة من أمره. لماذا يطلب الأستاذ لقاءه في هذا التوقيت الخانق والحساس إذ لم يبق الا سويعات علي اجتماع الجمعية العمومية؟ استقبله الأستاذ هيكل وسلمه ورقة واحدة. وحين استفسر قلاش عن فحواها أجابه: طلبت كلمتي.. وها هي بين يديك وعليك انت ان تلقيها اليوم نيابة عني امام الجمعية العمومية. وكانت كلمة هيكل التاريخية التي احتوت علي عبارته الشهيرة وأحدثت دويا مذهلا صدع اركان النظام وصارت تتردد فيما بعد »ان للنظام قيادات شاخت علي مقاعدها«. الفقراء أولاً وصلتني في بريدي الإلكتروني رسالة تقطر مرارة من شاب مصري يبدأ حياته العملية بخطوات متلعثمة يرنو الي مستقبل واعد بعد الثورة ووطن يحتضن ضعفاءه. يحلم بقادم أيام يمكنه خلالها ان يبني حياة كريمة سلسة. لكن أحلامه تبخرت بعدما شعر ان الطريق نحو تحقيق هذا الحلم مايزال شاقا وأن تيبس العقول قد أغرقنا في متاهات لا فكاك منها. الشاب ناشدني ان اعود الي الصفحة الأخيرة من احدي الصحف القومية التي نشرت إعلانا علي كامل الصفحة عن مشروع الإسكان الاجتماعي الذي يروج لبيع قطع اراض لبناء بيوت للشباب ومطلوب من الشاب دفع 80 الف جنيه قيمة الأرض علي أقساط لمدة 4 سنوات. يلجئني صديقي الشاب الي ضميري، ويستحلفني أن اجيبه علي اسئلة مزلزلة: من اين يمكن لشاب في مصر يبدأ حياته العملية بشكل طبيعي ويتحري الاستقامة، توفير مثل هذا المبلغ لشراء الأرض، ولو تمكن من ذلك بطرق مشروعة فهل سيتمكن بعد ذلك من بناء البيت؟ كم يلزمه من الوقت لتوفير تكاليف البناء للاحتفاظ بالأرض قبل ان يتم سحبها منه؟ وحتي لو سابق الزمن وأطلق لطموحاته العنان وأراد ان يحقق احلامه المشروعة فسوف يلجأ الي وسائل غير مشروعة تصب جميعا في خانة »السرقة« فهل سيجد ساعتها ما يسرقه بعد ان نهب الأكابر السابقون البلد؟ بعيدا عن السخرية السوداء التي تنز من سطور الرسالة، ومع اختلافي مع المنطق السوداوي الذي يحكم صاحبها حين حصر بدائل التحقيق السريع للأحلام في معادلة معوجة طرفاها إما الأمانة المقرونة بالوفرة المالية أو الانحراف المقرون بالحاجة وفقر الإمكانات، إلا انني لا استطيع تجاهل مرارة السطور التي تشي باستمرار الفجوة بين الحكام والمحكومين وبتواصل مخاطبة القادرين وإهمال البعد الاجتماعي في المشروعات القومية. فحين نخطط لإسكان الشباب تجدنا نتحدث عن طبقة محدودة منهم في حين ان الغالبية العظمي من هذه الفئة العمرية لا تجد لنفسها ولا لأحلامها مكانا في خطط حكومة الثورة التي نادت بالعدالة الاجتماعية. ومع انني لا أعفي شركات القطاع الخاص من مسئولية المساهمة في بناء وتنمية الوطن إلا انني لم اكن لألومها كثيرا لو كانت هي صاحبة هذا الإعلان المستفز. أما ان يكون ترويجا لأحد المشروعات المسماة بالقومية .. فهنا لابد من وقفة حازمة لنطلق في وجه حكومة الثورة صيحة »الفقراء اولا«. هي دي مصر ياهبلة لو كنت من القراء الدائمين لجريدة الأخبار لابد وأنك أدمنت قراءة المقالات الساخرة البديعة لزميلنا العزيز هشام مبارك بعنوان »انا والمدام والعيال« التي كانت تنشر يوم الخميس من كل اسبوع. هشام محرر اقتصادي مشهود له. لكن قدرته الفائقة علي الإدهاش تجلت في كتاباته الساخرة وخياله الواسع وامتلاكه لأدوات النقد اللاذع لأحوالنا في اسلوب ناعم ضاحك يحول دموعنا الي بسمات متأسية. الصديق العزيز مشي علي خطي ساحر الكلمة الساخرة الموجزة استاذنا احمد رجب أطال الله في عمره صاحب »نصف كلمة« ، ولفرط تميزه في هذا المجال كرمت نقابة الصحفيين هشام مبارك العام الماضي بمنحه جائزة احمد رجب للكتابة الساخرة. ومن المؤكد انك تعرفت من مقالاته علي افراد اسرته واسماء بناته التي انتقاها بعناية »يثرب«، »أسرار«، »كلمات«، »وعود«. ولا غرابة لو وجدت أحد المواقف التي مررت بها في حياتك اليومية مذكورا في أحد المقالات بأبطال آخرين هم »مبارك« والمدام وعياله. بالأمس القريب اتحفني زميلي العزيز هشام بباكورة انتاجه الأدبي »هي دي مصر ياهبلة« .. كتابه الأول الذي انتظرته بفارغ الصبر وجمع فيه عددا من مقالاته المنشورة بالأخبار في اول جزء من سلسلة انا والمدام والعيال. الكتاب صادر عن قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم تجول فيه بين موضوعات الأغنية الشبابية والدعم.ولامس أنّات الأسر المصرية المكتوية بلهيب الدروس الخصوصية ، ولم يغفل وهو الكاتب ذو الخلفية الاقتصادية أزمات الحديد ولصوص الوطن، ولم ينس ان يرصد أحوال »القفا« المصري بعد ثورة 25 يناير.