مع تزايد وانتشار استطلاعات الرأي العام التي تجريها مؤسسات عديدة في مصر للتعرف علي توجهات الرأي العام المصري إزاء الانتخابات الرئاسية المقرر إجراءها بعد حوالي أسبوعين. بدأت قطاعات عديدة في المجتمع خاصة في وسائل الإعلام المختلفة يطرحون ضمن ما يطرحون من تساؤلات أو شكوك في استطلاعات الرأي العام سؤالا أساسيا حول علاقة نشر نتائج استطلاعات الرأي العام قبيل إجراء الانتخابات. ويستخدم هذا القطاع من فكرة أو احتمال أن يتأثر الرأي العام بما ينشر من نتائج توضح ترتيب المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية من حيث الشعبية أو نسب التصويت المتوقعة لكل منهم, علي اعتبار أن الاستطلاعات حينما تشير إلي مرشح ما هو الأكثر حظا للفوز بالمنصب فإن ذلك يعني احتمالا قويا أن يتحرك قطاعا عريضا من الرأي العام لتأييد ذلك المرشح خاصة من بين هؤلاء الذي لم يقرروا موقفهم بعد أو ما زالوا مترددين في التصويت لأحد المرشحين. وطبقا لنظرية دوامة الصمت فإن ملاحظة هؤلاء المترددين أن الأغلبية تفضل مرشح معين فإن كل متردد يفضل لنفسه أن يلتحق لتأييد ما تراه الأغلبية حتي لا يكون نشازا, وهو حين يتخذ هذا القرار يعتمد علي صواب ما تقرره الأغلبية, كما قد يفضل بعض المترددين التصويت للمرشح الذي تعطيه الاستطلاعات الأفضلية حتي لا يذهب صوته دونما نتيجة في حال صوت لمرشح ليس له حظوظ كبيرة في نتائج الاستطلاعات. وفي الواقع فإنه لا يمكن إنكار أن الاحتمال السابق وارد الحدوث بنسبة كبيرة, ولكن المشكلة أن من يطرح تلك النقطة يطرحها ليطعن في عملية استطلاعات الرأي العام في مصر وربما ليهدمها من الأساس. والحقيقة أن احتمال تأثر قطاعا من الرأي العام بنتائج الاستطلاعات هو أمر موجود في كل دول العالم, فنسبة المترددين موجودة في كل الدول ودائما ما تظهر في الاستطلاعات وتكون هدفا أساسيا للمرشحين يحاولون التواصل معهم والحصول علي تأييدهم. وربما يكون الخلاف بين مصر والدول الأخري الأكثر تقدما أن تلك الدول تتمتع بمستوي مرتفع من الثقافة السياسية والرغبة الحقيقية في عملية المشاركة السياسية. ووجه الشبه بين ما يحدث في مصر حاليا أو يقال بشأن الاستطلاعات والدول الأكثر تقدما هو أن مثل تلك الحوار والاتهامات كانت تطرح أيضا في الدول المتقدمة قبل ما يقرب من قرن من الزمن, حين بدأت أول الاستطلاعات الفعلية في الدول الغربية المتقدمة. وهو الأمر الذي يحي الأمل أو يجب له أن يكون كذلك في نفوس القائمين علي الاستطلاعات والمهتمين بها في مصر والدول العربية بصفة عامة. أما الشئ المدهش حقا فهو أن مثل تلك الاتهامات كانت تكال للاستطلاعات قبل الثورة وإذا بها بعد الثورة علي ما هي عليه, وكأننا لا نريد أن نتقدم للأمام, فإن لم نبدأ اليوم باستطلاعات الرأي العام لأن نسبة كبيرة من الشعب تعاني من الأمية والأغلبية ليس لديهم ثقافة سياسية, فمعني ذلك أننا لا نصل لنقطة البداية قبل نصف قرن علي الأقل, بينما هؤلاء الذين يتهمون الاستطلاعات والقائمين عليها لا يعنيهم أن القائمين علي الاستطلاعات ينفذون تلك الاستطلاعات باتباع كل الأساليب العلمية المتبعة في كل دول العالم. وفي اعتقادي فإن هؤلاء يتشوقون لخروج نتائج الانتخابات مخالفة لما ذهبت إليه الاستطلاعات حتي ينقضوا علي فكرة الاستطلاعات لاقتلاعها من جذورها. وهنا لابد من التأكيد علي أن مؤسسات الاستطلاعات العالمية مثل جالوب قد حققت الكثير من النجاحات ولكنها أيضا عانت من الفشل في توقع نتائج بعض الانتخابات الأمريكية مثلما حدث في عام1948 و1976 وفي توقع نتيجة من يمثل الحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات الأمريكية, حيث كان جالوب توقع أن تمثل الحزب هيلاري كلينتون وإذا بأوباما يفوز بتمثيل الحزب ويفوز برئاسة الولاياتالمتحدة, ولكن هذا الفشل لم يؤد لإعدام جالوب, ولكنه غالبا ما أدي إلي تدارس أسباب الفشل والخروج بنتائج ودروس غالبا ما أدت إلي تطوير العمل في الاستطلاعات. وفي كل الأحوال فعلي الجميع أن يحترم فكرة الحرية والحق في المعرفة, باعتبار أن ذلك أحد أهم انجازات ثورة25 يناير. حقا إنها تجربة جديدة في بيئة كان يتصور أن أصبحت جديدة! [email protected]