إختار له الإله موضعا وموقعا أدهش العالم في تفرده, فظهرت عبقريته في ثقافة أبنائه التي ظهرت عبر مواقف وأحداث كانت محل انبهار وإعجاب العالم, وما زال من وقت لآخر يدهش العالم تأكيدا لعمق وتنوع ثقافته التي أفرزت مننظومة من القيم ظلت تتوارثها الأجيال كخيط متصل, وقد امتازت هذه القيم بقدرتها علي التعايش والتفاعل مع الثقافات بشكل يمتاز بالوسطية والاعتدال التي تفتقر فيها إلي روح العصبية سواء القبلية أو الدينية, وذلك بفضل طبقات متراكمة من القيم تمثل الماعون الممتليء الذي لا ينفد والذي خلق تنوعا أثري الثقافة والفكر المصري دون غيره من الثقافات, مما جعل عالم آثار فرنسيا يصف حال هذا الشعب بأنه يحمل الحكمة في عقله دون أن يدري والقوة في نفسه دون أن يعلم, ولكن هناك لحظات حرجة تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجارب, فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته, وهذا قد يفسر لنا لحظات كثيرة من التاريخ السياسي المصري, الذي نجد فيها المجتمع قد طفر طفرات مدهشة في قليل من الوقت, وربما هذا التحليل العبقري يفسر حال مصر في معظم أن لم يكن في كل الاختبارات التي يوضع فيها الإنسان المصري وليست ثورة25 يناير عنا ببعيد, ولذا فإذا نظرنا إلي الجيش المصري نستطيع أن نلمح فيه هذه الصفات, ولذا جاءت مواقفه السياسية في مراحل التاريخ المختلفة وخصوصا في الثورات مؤكدة علي هذا. * وهنا ينبغي أن يحضرنا سؤال وهو ما الفرق بين طبيعة وخصائص الجيش المصري في إدارة الثورات بالمقارنة بالجيوش الأخري؟ فالمتتبع لمعظم. وهنا نستعرض كيف أدار الجيش المصري ثورته بداية من التعامل مع خصومة نهاية بوصوله للحكم؟ قدم الجيش المصري نموذجا حضاريا في طريقة عزل الملك وترحيله إلي خارج البلاد بشكل محترم خال من الدموية والعنف والسجن واستبدلوا بسلاح الدم والتصفية الجسدية والعنف المعروفة في أغلب الثورات, السلاح الاقتصادي من خلال قوانين الإصلاح الزراعي ومصادرة الأموال وتأميم الشركات. كيف تعامل الجيش المصري مع ثورته وأهدافها هل تباطأ أم حسم أموره مبكرا خوفا علي ثورته التي قام بها؟ الشواهد تؤكد أنه منذ أن وصل للحكم تخلص من النظام القديم بعد أن استنزف خبراتهم السياسية عبر: علي ماهر والدكتور السنهوري ثم استعان بالجهاز البيروقراطي لتكوين نخبة جديدة تدين بالولاء الكامل للثورة ولمبادئها ثم بدأ بسن القوانين الجماهيرية لكي يلتف المجتمع المصري بكامله حول الثورة فكانت قوانين الإصلاح الزراعي فالتأميم للقناة وللأموال تلا ذلك المشروع النهضوي الناصري في التصنيع ومجانية التعليم. ولم يكتف عند هذا الحد بل ساهم بشكل فعال في السياسة الخارجية عبر الوقوف بجانب العديد من الدول من أجل استقلالها, لتبدأ الانشقاقات والخلافات في الرؤي وذلك بسبب التنوع الفكري والايديولوجي فيما بينهما, والتي بدأت بالعزل السياسي وتحديد للاقامة والتي بدأت باللواء محمد نجيب لتحدد اقامته في منزل زينب الوكيل, ثم يوسف صديق الذي حدد في قريته ببني سويف, فخالد محيي الدين الذي تم استبعاده بتعيينه كسفير في سويسرا, وكان لكمال الدين حسين وعبداللطيف البغدادي1962 رؤي واتجاهات تعارضت مع رؤية عبدالناصر فكان ترك الحياة السياسية هو الوسيلة لتجنب مزيد من الصراع مثلما فعل من بعدهما زكريا محيي الدين1968 وان كان جاء بعدهما, ثم نأتي للخلاف الأكبر بين شركاء الدرب وهو المشير عبدالحكيم عامر بعد هزيمة1967 والذي انتهي بانتحار المشير لا قتله كما اشيع وذلك يعد امتدادا لأسلوب إدارة الصراع داخل الفكر المصري اولا والجيش المصري ثانيا والذي هو بعيد تماما عن التصفية الجسدية. ونستطيع بذلك ان نقول بالفعل أكلت الثورة أبناءها بحق وأن كانت بعيدة عن الدموية والقتل كما يحدث في معظم الثورات, وذلك لنضعها امام شباب ثورة25 يناير من منظور ان الحاضر بوطأته متجذر في الماضي. فإذا كان هذا العرض قد قدم تاريخ الجيش المصري ومواقفه سواء بالنسبة للشعب أو بالنسبة للثورات سواء التي قام بها الشعب وباركها الجيش كما حدث في ثورة25 يناير أو التي قام بها الجيش والتف حولها الشعب كما في ثورة يوليو ليجعلنا نتساءل عن حقيقة ما حدث عقب احداث محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية والأمر يدفعنا إلي الاعتقاد بوجود طرف ثالث يحاول تغيير فلسفة ومبادئ الفكر العسكري للجيش المصري في خيال المصريين وذلك لزعزعة العقيدة الراسخة في قلب وعقل كل مصري لجيشه الذي يعتز ويتباهي به كثيرا, وذلك ليسهل تفتيته ثم تسريحه مثلما كان يحدث قديما.