الثورات دائما وأبدا ما تقوم من أجل صيانة المباديء والدفاع عن الحقوق وتحقيق العدالة والمساواة في إطار من الشرعية التي تحافظ علي كرامة الانسان وحريته وفق دستور قومي يتم من خلال توافق المجتمع جميعا علي آلية صياغته بشكل يضمن التمثيل الامثل لكل فئات المجتمع ليتحدد من خلاله القوانين المنظمة التي تهدف الي إقامة دولة القانون وذلك لترسيخ مفهوم المواطنة.. وهذا المفهوم الذي دائما ما يكون الهدف الاهم للثورات ولا يتم ذلك إلا من خلال دستور وطني يحدد الحقوق والواجبات ،بهدف توافق وتوحد المجتمع لتحقيق النهضة.. والمتابع لمفهوم دولة القانون ومفهوم الدولة ككل يجد ان المجتمع المصري القديم كان له الفضل والسبق في الترسيخ لها عبر انشاء اول حكومة مركزية وأول نظام اداري للدولة اسهم في تحقيق العدالة والمساواة.. مما اسهم بشكل كبير في تحقيق نهضة مجتمعية شهد لها القاصي والداني ما أحوجنا اليها اليوم.. واذا كنا دائما ما نتغني بالماضي ونتفاخر به وذلك لاننا لم ننجح في ان نكون جزءا منه أو علي الاقل امتدادا له.. فهذا بلا شك بسبب افلاسنا الواضح في حاضرنا وعدم انشغالنا بمستقبلنا. ولكن دعنا بعد ما تحقق في ثورة 52 يناير أن لا نقرأ التاريخ بشكل »ماضوي« ولكن بشكل ملهم لنستكمل به طريق النهضة لان الحاضر بوطأته متجذر في الماضي.. »فهذه عبرة لمن يعتبر« فمن يريد أن يتطاول في البناء فلابد للحفر ان يكون عميقا، وكل هذا قد يفسر سر الشعار الذي خرج تلقائيا من المصريين اثناء الثورة وهو »ارفع رأسك فوق أنت مصري« فهو أن دل فإنه يدل علي الحنين للماضي للتذكير بالأمجاد. لكل من يرقي لحكم مصر أو المشاركة في دستورها.. ليتعرف عن أي وطن هو يتحدث وتذكرت معها مقالة للاستاذ الكبير معلم الاجيال الدكتور زكي نجيب محمود في مجلة المصور 3891 والتي تحمل عنوان »لماذا أزهو بمصريتي؟« فقلت» لأن فضيلة المرء آسرة«.. ولان الشخصية المصرية برؤيتها الفلسفية التي تكونت عبر تراكمات عديدة نتيجة لاحتكاكات بالثقافات أو بالهجرات خلفت خريطة كامنة بدواخل الانسان المصري فجعلته يحمل مفاتيح الحكمة في عقله دون أن يعي ذلك الا عندما مكنته من حل علاقات مركبة..في الكون فجعلت له القدرة علي التنبؤ والقراءة المسبقة للأحداث وللواقع التي ساهمت في قدرته علي تحديد نوعية القيم التي يحتاجها ليمارسها.. في النهاية فشخصية مصر مزيج متآلف ومتناغم يفوح بالوسطية فهي من أم أفريقية وأب عربي بعقلية بحر متوسطية ووجدان إسلامي.. ولذا فإنني اوجه رسالة للتيار السياسي الاخواني أولا والاسلامي ثانيا أن مصر تركيبة فريدة قوتها ونهضتها في تنوعها فينبغي البعد عن الاستئثار ولتتخذوا من التاريخ عبرة.. كان أهم ملمح لفترة الخديو اسماعيل هو الارتباط الواضح بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية وهذا يدل علي وضوح الرؤية والهدف منذ أول لحظة.. سوف استعرض المعايير التي اختير علي اساسها مجلس شوري النواب لأضعها أمام أعين القائمين علي حكم هذا البلد وعلي دستوره.. حينما قرر انشاء مجلس شوري النواب ركز علي وأصحاب المهن والطوائف من المصريين. واستبعد المثقفين من الذين تلقوا تعليمهم في الخارج.. وذلك بهدف إتاحة الفرصة كاملة لاصحاب المشاكل الحقيقية من مختلف فئات الشعب المصري وخصوصا من الريف ليعبروا عن مشاكلهم بحق وليجدوا لها الحلول.. هذا مع توسيع القاعدة العريضة للمجتمع المصري التي تحمل قيم الطبقة الوسطي وذلك لتكون دعامة للمجتمع من الانهيار.. وهذا ما انعكس علي التمثيل السياسي لكل طبقات المجتمع المصري عبر الاحزاب وعبر المناصب القيادية. ناهيك عن تمثيلهم في مجلس شوري النواب.. وهذا ما خلق حراكا سياسيا ساعد علي دب الروح في المجتمع المصري من جديد في شهور لم تتعد السته وهذه رسالة لمن يريد أن يتعظ.. بسم الله الرحمن الرحيم »فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر«.. صدق الله العظيم.