في جلسة جمعتني مع بعض شيوخ القبائل تناولنا فيها أقداح الشاي والحبك شراب سيناوي يشبه النعناع طلبت منهم أن يختاروا مشكلة واحدة يرون أن حلها سيكون بمثابة الإنقاذ السريع للبدو.. أجاب الشيخ موسي أبو سويلم دون تفكير: تمليك الأراضي للبدو.. هذه المشكلة القديمة تحمل في طياتها الحلول لمعظم مشاكل البدو فهل يعقل أن البدو الذين يقطنون أراضي سيناء من قبل الاحتلال وظلوا فيها طوال سنوات استعمارها ولم يبرحوها بعد تحريرها واستعادتها.. هل يعقل أنهم حتي الآن لا يملكون هذه الأراضي ولا يملكون حق التصرف فيها؟؟!! ثم نطالبهم بعد ذلك بالانتماء لها وللوطن. وتوالت الكلمات من جانب الشيوخ بطبيعة الحال لم يهتم الاحتلال الإسرائيلي بقضية تقنين وضع الأراضي للبدو المقيمين فيها وإكتفي بتركهم يعيشون عليها مع منح عدد قليل منهم ما أسموه ب اعتداد ملكية وبعد تحرير سينا واسترداد أرضها ذهبت ملكيتها إلي هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان والتعمير وظهرت المشكلة في بدايتها أمام المستثمرين من البدو وغيرهم حيث لم يستطيعوا تحديد الجهة التي يلجأون إليها: المحافظة أم وزارة السياحة أم وزارة التعمير؟ ثم إستقر الأمر علي ملكية التعمير للأرض وإشراف السياحة عليها علي أن تتبع المحافظة إداريا! وتناسوا أن الأراضي يقيم البدو علي كثير منها فقرروا إعطادها للمستثمرين بمن يقيم عليها علي أن يقوم كل مستثمر ب مراضاة البدو كيفما يتفقوا لكن البدو رفضوا هذه المساومة وطالبوا بأن تكون لهم هم أيضا أراضي سياحية يقيمون عليها مشروعاتهم وبدأت المشكلة في التفاهم خاصة أنهم لا يملكون حتي البيوت التي يسكنونها في نويبع. وقال سليمان صباح سالم أحد شيوخ بير صوير في التسعينيات حاولت الحكومة حل المشكلة وقررت إعطاء البدو حق الانتفاع بالأراضي التي يعيشون عليها لمدة99 سنة مقابل100 جنيه للمتر فانقسم البدو بين رافض لمبدأ حق الانتفاع وبين رافض للسعر فضلا عن عدم ثقتهم في الحكومة ولم يذهبوا لتوقيع إقرارات الملكية وتعثر تنفيذ هذا الحل وبقي الوضع علي ما هو عليه بل زاد تفاقما عندما بدأت المحافظة في هدم بيوت البدو بحجة أنهم لا يملكون الأرض وبحجة إقامة الشوارع والحقيقة كانت هي تصفية حسابات مع البدو المتمردين علي الأوضاع ثم حدثت الطامة الكبري حينما قررت الدولة منذ سنوات قليلة وقف بيع الأراضي في سيناء نهائيا بحجة أن بعض المستثمرين اليهود يقومون بشرائها من خلال مشاركتهم في مشروعات رجال الأعمال المصريين وخوفا من أن يبيع البدو الأراضي للإسرائيليين!! وهي حجة باطلة تماما لأن البدوي لا يبيع أرضه أبدا فما بالك بالبيع للإسرائيليين كما أنها لو كانت حجة صحيحة لكان في إمكانهم تمليك البدو لأراضيهم مع إشتراط عدم بيعها لأي أجنبي. وعدنا إلي الحوار مع الشيوخ: مشكلة عدم تملك البدو لأراضيهم تتفاقم يوما بعد يوم لأن البدو في ظل ظروفهم الاقتصادية الطاحنة الأن بدأوا في بيع أراضيهم التي لا يملكونها للموسرين منهم وهو ما ينذر بعواقب وخيمة لأنه حتي الأن لا يوجد خلاف بين البدو أنفسهم حول أحقية كل منهم بأرضه التي يعرف ويشهد الجميع علي وجوده بها أما بعد هذه المعاملات الجديدة علي تلك الأراضي فقد تخلط الأمور... وإذا كانت البيروقراطية الشديدة قبل الثورة قد منعت حل هذه المشكلة الخطيرة فان الخوف من إتخاذ القرار وهو ما يعاني منه المسئولون الحاليون هو أخطر من البيروقراطية. وفي نهاية الجلسة أجمع الموجودون علي أن حل هذه المشكلة سيعيد مشاعر انتماء البدو لبلدهم كما سيكون بداية لتعمير سيناء تعميرا حقيقيا يكون كفيلا بحمايتها من أي إعتداء خارجي خاصة أن الحل سهل وبسيط يتمثل في تمليك البدو لأراضيهم بسعر مخفض يستطيعون دفعه وإقامة تجمعات سكنية للبدو علي طول الشريط الساحلي بما يتلاءم مع مطالبهم واحتياجاتهم.