تقف جماعة الإخوان المسلمين أمام لحظة فارقة, في تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن من الزمان, ذلك الذي لم يخل من صراعات وطموحات وانتكاسات وأحلام عظيمة, وهي تبدو في مواجهة تلك اللحظة. مثل شخص قرر علي نحو مفاجئ أن يقامر بكل ما يملك, فإما بلوغ كامل السلطة, تلك التي سعت إليها الجماعة منذ عقود, وعملت من أجلها, وقدمت في سبيلها العديد من التضحيات, وإما خسارة كل شئ دفعة واحدة, التاريخ والتضحيات والأحلام التي قد تتحول في لحظة إلي كوابيس, أو بالحد الأدني إلي سراب, يحسبه الظمأن ماء حتي إذا بلغه لم يجده شيئا. وتقف مصر اليوم حائرة هي الأخري, عند مفترق الطريق الصعب, يخالجها شعور مرير بأن الجميع قد تخلي عنها, وأن أحلامها في التحول إلي مجتمع ديمقراطي حقيقي, قد تبخرت وربما إلي الأبد, فلا العسكري بتاريخه القريب الذي جسدته طليعة الضباط الأحرار في23 يوليو من العام1952, بات يمكن الوثوق به بعد كل ما جري علي مدار عام كامل من عمر الثورة, ولا الجماعة التي قدمت نفسها كأقوي تنظيم سياسي قادر علي تولي مسئولية إدارة البلاد, صارت تصلح رهانا علي المستقبل, بعد أن كشفت عن وجهها الحقيقي, بسعيها المحموم نحو تكويش كامل علي السلطة, حتي لو كان الثمن هو أن تمعن في الولوغ اكثربدم الشهداء الحرام. يبدو المشهد في مصر غير باعث علي أمل, ليس فحسب لأن الجماعة عادت إلي ممارسة هوايتها القديمة, بنقض تعهداتها التي قطعتها علي نفسها مرارا, وقلبت الطاولة علي الجميع, بالإعلان عن الدخول إلي مضمار السباق الرئاسي, إذا كان ذلك متوقعا, وإنما لما صاحب هذا الإعلان من تبدل لكامل المشهد الانتخابي, بإعلان نائب الرئيس ومدير جهاز المخابرات العامة السابق عمر سليمان, ترشحه في الانتخابات المقبلة, وهو ما يعني علي نحو مباشرإعادة قسرية لعقارب الساعة إلي الوراء وتحديدا إلي يوم التاسع والعشرين من يناير قبل الماضي, عندما قرر مبارك قبل عشرة أيام من تخليه عن الحكم, أن يبيع طموح نجله الأصغر في وراثته من بعد, ويعين سليمان في الموقع الذي ظل شاغرا ثلاثين عاما هي فترة حكمه للبلاد. تقف مصر هذه الأيام امام مشهد الغرابة واليأس في آن, فعلي شاطئ النهر تتجلي أطماع الإخوان بصورة لا تخطئها عين, بينما القوي المدنية علي الشاطئ الآخر ساكنة وقد أعيتها الحيلة, ربما لأنها تأخرت كثيرا كعادتها في جمع شتاتها, والتوافق علي مرشح واحد يلتف حوله الجميع, حتي إذا ما استفاقت من غيبوبتها, لم يعد امامها من اختيار سوي استبدال غريم بآخر, أو بمعني أدق المفاضلة بين دولة دينية وأخري عسكرية. ربما يكون ما سبق من قبيل اليأس أو قلة الحيلة, وربما يكون كله صحيحا, لكنه لا يعني في النهاية سوي حقيقتين مؤكدتين: أن الثورة التي صنعها المصريون بدماء خيرة شبابهم, قد عادت من جديد إلي نقطة الصفر, وأن الجماعة التي لعبت بطمعها الدور الأكبر في تلك النهاية البائسة ل ثورة اللوتس التي ألهمت العالم, تسير هي الأخري نحو نهاية مرتقبة, من المؤكد انها سوف تعيدها من جديد إلي كتب التاريخ.