سوف يدخل عام2011 التاريخ بأنه عام الثوار; لكنني آمل عندما نطوي صفحته بأن نتذكره كعام خير. هناك ثورات وانتفاضات مدنية كثيرة إلي درجة أنه من شبه المستحيل مواكبتها كلها. وهي لا تقتصر علي العالم العربي, فقد انتشرت هذه الظاهرة إلي أثينا حيث يلقي متظاهرون مناهضون للتقشف قنابل حارقة علي شرطة مكافحة الشغب. حتي الولاياتالمتحدة لم تفلت مما يجري حولنا. فقد احتشد حوالي مئة ألف شخص في ولاية ويسكونسن للاعتراض علي مشروع قانون للحد من حقوق المفاوضة الجماعية التي تتمتع بها النقابات, بدعم من عشرات الاحتجاجات التي نظمت في مدن أمريكية أخري. وإذا كان هناك من يعتقد بأنه لا علاقة للاحتجاجات في الغرب بالحمي التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, فهذا خطأ. فالمتظاهرون الذين يحملون لافتات تشبه حاكم ماديسون في ولاية ويسكونسن بحسني مبارك يهتفون' حاربوا مثل المصريين'. ولكن إذا خرج العصيان المدني عن السيطرة في مختلف أنحاء العالم, أخشي أن تتحول الحرية بسرعة إلي فوضي. فيما أتعاطف مع الثورات في تونس ومصر وليبيا حيث تعاني الشعوب من الفساد والقمع, يروعني أن شرائح من السكان في بلدان تنعم بالسلام والازدهار وتهتم بتلبية حاجات مواطنيها, مثل البحرين وعمان, اختارت النزول إلي الشارع بدلا من تعيين ممثلين عنها لرفع مطالبها إلي الحكومات. إنني علي ثقة وكلي إيمان بأن هذه العدوي لن تنتقل إلي بلدان الخليج الأخري بإذن الله. فما الذي سيشتكون منه في مكان يتمتع فيه المواطنون بنمط عيش يحسدهم العالم عليه؟ ليس البحر أزرق بما يكفي بالنسبة إليهم؟ حرية التظاهر السلمي أمر, وإحراق المباني الحكومية وإلقاء القنابل الحارقة باتجاه الشرطة أمر آخر. قد تكون الفكرة التي تعتبر أنه بإمكان سلطة الشعب وحدها أن تدير الدولة بفاعلية, مثالية جدا ولا تغدو عن كونها مجرد حلم واهم. عندما تنتهي أيام الثورة المحمومة التي يكون الكل فيها موحداي, يعود الناس إلي التمسك بآرائهم وولاءاتهم الخاصة وتبرز الانقسامات بينهم من جديد. يجب تفادي حدوث فراغ في السلطة. ينبغي علي أي حكومة مؤقتة أن تفرض سلطتها قبل أن تسود الفوضي. ويجب إعادة إرساء القانون والنظام. وعلي المواطنين العودة إلي أعمالهم. ويجب أن تنطلق عجلة الاقتصاد من جديد كي تتمكن الدولة من الوفاء بتعهداتها وتأمين مستقبل أفضل للجميع. لنأخذ مصر علي سبيل المثال. الثورة المصرية ناجحة بحسب المعايير المتعارف عليها للثورات. فلقد حددت إقامة الرئيس السابق مبارك في فيلا عند البحر الأحمر. وقد جمدت ثرواته مع عائلته. ويجري اعتقال رجاله الفاسدين والتحقيق معهم. ويتنافس قادة العالم علي إغداق المدائح علي الشبان الشجعان الذين تحدوا الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي وحتي العربات المدرعة من أجل تحقيق حلمهم. لكن لنكن واقعيين. لولا دعم الجيش المصري, كانت قصتهم لتتحول ربما إلي مأساة. حتي الآن كان تصرف المجلس العسكري الأعلي في مصر مثالياي. يجتمع قادته باللجان الشبابية ومجموعات المعارضة. وقد أعلنت لجنة تعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشري أنها إنتهت من التعديلات المقترحة في أربعة قوانين تتعلق بإجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية. ووعد المجلس العسكري بإجراء انتخابات في غضون ستة أشهر. وقطعوا أيضاي وعوداي برفع حال الطوارئ وزيادة رواتب الموظفين في القطاع العام. ويطلبون من الناس في المقابل التحلي بالصبر والتعاون لإعادة الحياة إلي طبيعتها نوعا ما في البلدات والمدن. أعتقد أن مطالبهم منطقية جدا. فلا فائدة من مواصلة التجمع في ميدان التحرير. بيد أن حفنة من الثائرين المتشددين يبدون مصرين علي إبقاء السيف مصلتا حول رقابهم. عندما لا يلبي الجيش مطالب هؤلاء المتظاهرين مثل إقالة رئيس الوزراء أحمد شفيق الذي عينه مبارك خلال ساعاته الأخيرة في الرئاسة بالسرعة التي يريدونها, يصرخون' ليرحل الجميع'. أحمد شفيق يتولي فقط إدارة شؤون البلاد بانتظار إجراء انتخابات. لا أحد ممن يملكون طموحات سياسية يريد الحلول مكانه خوفاي من أن تتلطخ سمعته, ولا أحد ممن يتمتعون بالدعم الشعبي يرغب في الانضمام إلي حكومته. يوم الجمعة, نصب المتظاهرون من جديد خيمهم في الميدان, لكن الجنود أرغموهم علي المغادرة. فردوا بدعوة الملايين إلي النزول إلي الشارع, مما دفع بالمجلس العسكري الأعلي إلي الاعتذار منهم نافياي إصداره أوامر بإخراجهم من الميدان. من يتولي زمام الأمور في البلاد, الجيش الذي يضطلع بدور تصريف الأعمال أم المتظاهرون؟ يلعب الشباب لعبة خطيرة قد تعود عليهم بنتائج معاكسة لما يصبون إليه. ماذا يحصل إذا طفح كيل الجيش ولم يعد يحتمل أن يكون تحت رحمة المتظاهرين؟ هل هم مستعدون لمواجهة الجيش؟ التعاون هو دائما أكثر فاعلية من المواجهة المستمرة. والأسوأ هو سلوك الناس حيال الشرطة. أصبحت البلاد بكاملها خارجة عن القانون. ويعامل عناصر الشرطة وكأنهم منبوذون. قلة تجرؤ علي ارتداء بزتها الرسمية أو قيادة آليات الشرطة خوفا من التعرض للإساءة أو الهجوم. وقد سلطت قناة النيل الضوء علي حادثة من هذا القبيل حيث حدث خلاف بين سائق وضابط من الشرطة علي أولوية الطريق, فدافع الأخير عن نفسه بإطلاق رصاصة غير قاتلة. فوقع ما لم يكن في الحسبان. هرع حشد كبير إلي المكان وأبرحوا الشرطي ضربا حتي خر مغشيا عليه. تنقل لي مصادري في مصر أنها ليست علي الإطلاق حادثة معزولة. فقد وقع عناصر الشرطة ضحية هجمات انتقامية. وتعرض حراس السجون للضرب وإطلاق النار عليهم واحتجازهم رهائن. يتيح الشقاق بين العناصر الأمنية والشعب للمجرمين أن يسرحوا ويمرحوا في البلاد, ويثير غضب الشرطة. مجرد التفكير في مليون ونصف مليون شرطي مسلح وغاضب يجوبون الشوارع يثير الرعدة. مصر بحاجة ماسة إلي قيادة. لقد انتهت الثورة. يجب احترام السلطة. وينبغي علي كل المصريين أن يشمروا عن سواعدهم. يجب أن يبدأ العمل الحقيقي. * اقتصادي إماراتي