افعلوا شيئا ما.. حين لا تكون الكاميرات موجودة يحدث الكثير من القتل. هذه بعض كلمات الصحفي البريطاني الذي قام النشطاء في حمص بتهريبه عبر أنفاق وطرق سرية, بعد ان أصيب برصاص الجيش السوري. وتلخص الدعوة إلي فعل شيء ما لم يحدده الصحفي البريطاني الحاجة إلي رؤية قابلة للتطبيق لاخراج الشعب السوري من محنته, فخارطة الطريق التي حددتها الجامعة العربية والقائمة علي توحيد المعارضة ووقف العنف من كل الاطراف والدخول في حوار ومفاوضات موسعة تحت رعاية عربية ودولية, لم تعد تجدي, والحصار والقتل والترويع في أكثر من مدينة وقرية في سوريا ما زال مستمرا وأرقام الضحايا في ارتفاع كل يوم. مأساة سوريا تكمن في أنها تزداد تعقيدا كل يوم, والأفق السياسي يبدو جامدا غير قابل للحراك, فالحكومة السورية لا تستمع إلي أي مبادرات عربية أو اقليمية, وتصر علي أن الحل الوحيد هو الحل الأمني, والأطراف الأخري في المعادلة السورية سواء المعارضة أو دول الجوار الإقليمي أو مجلس الأمن الدولي يبدون عاجزين عن فعل شيءما يوقف نزيف الدم ويفتح بابا للحل السياسي المقبول. هذا العجز يتطلب خطوة كبري للفكاك منه, وأيضا لتغيير المعادلات الجامدة في الوضع السوري. السوريون إذا بحاجة إلي فعل شئ محدد وصارم وقوي. بيد أن هذه الخطوة الكبري ليست محل اتفاق بعد, هل هي الاستمرار في الجهود والضغوط السياسية والإعلامية والعقوبات الاقتصادية ثم إلي أي مدي, أم أنها تحويل المعركة إلي عسكرية بإمتياز, أم مزيج بين الأمرين؟ هذا التساؤل يجد إجابات مختلفة تدل بدورها علي أن الخطوة الكبري المنتظرة ليست محل قبول عام, ومن هنا قد يستمر الوضع علي ما هو عليه, علي الأقل لبعض الوقت. عدم الاتفاق علي الخطوة الكبري المطلوبة لا يحول دون بحث الأطراف في مسألة تسليح المعارضة, في حين يقف آخرون معارضين, ليس بسبب رفضهم التعجيل بإنهيار النظام السوري الحاكم, بل بسبب أن تسليح المعارضة لا يعد مخرجا مأمونا, بل ربما يفتح أبواب الجحيم علي الشعب السوري وعلي الجوار الاقليمي في آن واحد. في جانب المتحمسين لتسليح المعارضة السورية تبرز السعودية وقطر وباقي دول مجلس التعاون الخليجي, والسبب المعلن أخلاقي وديني يتعلق بمناصرة الشعب السوري في محنته, ولأن الحوار السياسي لم يعد يجدي مع الرئيس بشار الأسد. أما الأسباب السياسية والاستراتيجية فهي كثيرة, أبرزها الرهان علي سقوط نظام بشار الأسد, ومن ثم سقوط التحالف الاستراتيجي الثلاثي بين طهرانودمشق وحزب الله في لبنان, وبالتالي احتواء التهديدات الإيرانية ذات المنحي الشيعي علي أمن دول الخليج. وعلي صعيد آليات تسليح المعارضة فهناك القبائل السنية العراقية وأطراف لبنانية وثيقة الصلة بالرياض. وعلي هذا النحو يبدو أن تسليح المعارضة سيكون مقصورا علي الجماعات السورية السنية والقريبة من الحدود العراقية واللبنانية مع سوريا. صحيح هنا أن المجلس الوطني السوري يطلب دائما تسليح المعارضة, وفي مؤتمر تونس ظهر فصيل أعلن عن نفسه باسم مجموعة العمل الوطني السوري باعتباره فصيلا عسكريا يهدف إلي تجميع جهود كل العناصر التي تستخدم السلاح في الداخل السوري سواء كانوا جماعات مدنية في مناطق مختلفة أضطرت إلي استخدام السلاح لتدافع عن نفسها, أو الجنود والضباط المنشقين عن الجيش النظامي الذين يعتبرون أنفسهم مناصرين للثورة الشعبية ومدافعين عنها. لكن عدم وضوح التوجهات الكبري التي تجمع هؤلاء ومدي علاقاتهم بالمجلس الوطني السوري وهل لديهم ارتباطات مع جماعات مسلحة تردد أنها دخلت سوريا من العراق, في إشارة إلي أنها ذات صلة ببقايا تنظيم القاعدة, يجعل المسارعة في تسليح هؤلاء أمرا محفوفا بالمخاطر, أو علي الأقل يثير الكثير من الأسئلة التي بلا اجابات واضحة, لاسيما وأن المجلس الوطني السوري لا يمثل كل أطراف المعارضة السورية, برغم حصوله علي مزيد من التأييد والاعتراف الدولي كممثل شرعي للسوريين الراغبين في التغيير. غموض الجهات التي سيتم تسليحها ومدي انضباطها والتخوفات من علاقاتها بمنظمات تعتبرها القوي الكبري أطرافا إرهابية عالمية, فضلا عن الشكوك في أن يكون تسليح مجموعات المعارضة السورية عملا حكيما في حد ذاته, أو تصرفا مؤثرا في طبيعة الصراع وعنصرا يؤدي بالإسراع إلي إسقاط النظام, وكذلك اليقين من أن تسليح المعارضة سوف يؤدي بالفعل إلي مزيد من الدماء والضحايا, كل ذلك يدعم موقف رفض تسليح المعارضة السورية, وفي مقدمة هؤلاء الجامعة العربية التي تصر علي أن خريطة الطريق الخاصة بها هي الأكثر حكمة والأكثر قابلية للحفاظ علي سوريا بلدا وشعبا. وكل من الاممالمتحدة والولايات المتحدة وبلدان أوروبية كبري يتوافقون مع رأي الجامعة العربية, وهؤلاء جميعا يعولون علي كوفي عنان الأمين السابق للأمم المتحدة كمبعوث أممي عربي مخول التفاوض مع أطراف الأزمة السورية لتطبيق الخطة العربية. دمشق الرسمية لم تطرح بعد موقفا واضحا من التعامل مع كوفي عنان, وتبدو سائرة بإصرار وتحفز في طريق المعالجة الأمنية والعسكرية إلي مداها الأخير, بينما العقل يقول أن هذه المعالجة وإن نجحت في تدمير حمص وإبعاد العناصر المسلحة عنها كما حدث الأسبوع الماضي, فلا توجد ضمانات في أن ينجح الفعل العسكري ذاته في مناطق ومدن سورية أخري, وبالتالي فإن الفرصة التي يمثلها تحرك كوفي عنان لا يجب إهدارها, لكن العقل لا يسود دائما, وفشل مهمة كوفي عنان مرجح بقوة, وهو ما سيجعل الرافضين لعسكرة الثورة السورية اليوم هم الأكثر حماسا لعسكرتها في الغد القريب جدا.