ماهي رؤية الصين الرسمية إزاء ما يقال عن إمكان ان قيام التنين الصيني بزعزعة المكانة الاقتصادية علي الأقل للامبراطورية الأمريكية إن آجلا أو عاجلا؟. وكالة شينخوا الصينية الرسمية طرحت هذا التساؤل بشكل مباشر, اذ تساءلت في هذا الصدد قائلة: ماذا سيحدث لو تجاوزت الصين الولاياتالمتحدة من حيث حجم الاقتصاد الاجمالي في المستقبل؟ تحذير علي الطراز السوفيتي وقالت الوكالة في معرض ردها علي هذا التساؤل يبدو ان من شأن تجاوز الصين للولايات المتحدة وهو تجاوز حتمي ان يشبه إلي حد كبير تحذير القمر سبوتنيك وهو أول قمر صناعي في العالم يطلقه الاتحاد السوفيتي السابق في القرن الماضي بالنسبة إلي بعض الأمريكيين, وذلك في إشارة إلي الصدمة التي شعرت بها الولاياتالمتحدة عند قيام الاتحاد السوفيتي باطلاق أول قمر صناعي في تاريخ البشرية في الرابع من اكتوبر من عام1957, وقد اعتبر هذا القمر بمثابة صفعة تكنولوجية سوفيتية هائلة علي وجه المارد الأمريكي خلال الحرب الباردة التي شهدت صراعا في التكنولوجيا العسكرية وسباقا علي تسليح الفضاء بين الدولتين العظميين. قناعة الصينيين ولكن اغلب الصينيين حتي الآن لديهم قناعة بان الاقتصاد الصيني حتي في حال تجاوزه لاقتصاد الولاياتالمتحدة ليصبح الأول عالميا من حيث الحجم الاجمالي فانه لن يغير علي الفور هوية بلادهم كدولة نامية غير متقدمة في العالم, ولن يغير مكانة الولاياتالمتحدة كأقوي دولة علي الأرض. ويعني هذا الكلام ان اغلب المواطنين الصينيين مقتنعون بان اقتصاد بلادهم ربما سيصبح الاضخم علي مستوي العالم, لكنهم يستبعدون ان يصبح هذا الاقتصاد الاكثر تطورا وتقدما علي سطح الأرض. كما نقلت الوكالة الصينية الرسمية عن خبراء صينيين قولهم ان هذا التجاوز الاقتصادي النوعي الصيني للولايات المتحدة ان حدث فلن يغير الهيكل العالمي السياسي الحالي, ولا سيما هيكل الأمن الدولي في المستقبل القريب, وهو الأمر الذي لاتستطيع او ترغب الصين, بصفتها اكبر دولة نامية, في تغييره وهي التي حققت تطورات سريعة في العقود الأخيرة. الصين واليابان وكالة شينخوا طرحت ايضا تساؤلا محوريا بقولها ان الصين لم تتجاوز اليابان فعليا, فكيف ستتجاوز الولاياتالمتحدة؟ ويرد الخبراء الصينيون علي هذا التساؤل بقولهم إن الصين نجحت بالفعل في تجاوز الاقتصاد الياباني من حيث الحجم, اذ اصبح الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولاياتالمتحدة, وذلك بعد ان بلغت قيمة الناتج المحلي الاجمالي للتنين الصيني أكثر من عشرة تريليونات دولار بينما تبلغ قيمة الناتج المحلي الاجمالي الياباني اربعة تريليونات دولار فقط( يقصد بالناتج المحلي الاجمالي قيمة ما ينتجه المجتمع من سلع وخدمات خلال سنة واحدة). ولكن كيف يري الخبراء اليابانيون هذا التطور النوعي.. الاستراتيجي؟ تمثل رد فعل هؤلاء الخبراء في تأكيد ان هذا التقدم الاقتصادي الذي حققته الصين ليس سوي تقدم علي مستوي الارقام فحسب وان اليابان ستظل وفق اعتقادهم دولة اكثر تقدم من الصين علي عدة اصعدة منها: ظروف مستوي حياة الفرد, والبنية التحتية, وانتشار التعليم, والمساعدات الاجتماعية ومعايير ملموسة اخري وهو الأمر الذي يعترف به اغلب الصينيين. من ناحية اخري, فانه بالنسبة إلي الولاياتالمتحدة التي ظلت متفوقة علي اليابان في العديد من المناحي, فقد افاد تقرير بشأن القدرات التنافسية لدول العالم كانت قد اعدته الاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية بان الولاياتالمتحدة مازالت تتمتع بقوة تنافسية متفوقة للغاية قياسا علي الدول الأخري في العالم ولاسيما في مجالات العلاقات الدولية والموارد البشرية وغيرهما من المجالات المحورية مثل التجارة العالمية والتكنولوجيا والمجال العسكري. الانفاق العسكري الأمريكي: وخلال العقود الماضية, ظل الانفاق العسكري الأمريكي يعادل مجمل قيمة النفقات العسكرية في كل الدول الأخري علي وجه الأرض. وقد أصدر معهد السلام باستوكهولم في السويد اخيرا تقريرا بالنفقات العسكرية العالمية, قائلا ان الانفاق العسكري الأمريكي مازال يتصدر العالم اذ بلغ حجمه في عام2010 نحو698 مليار دولار امريكي بزيادة قدرها2.8% علي اساس سنوي. وأوضحت هذه الارقام ان قيمة النفقات العسكرية في جميع الدول علي الأرض قد شهدت زيادة بمقدار20.6 مليار دولار أمريكي, ومنها شكل نصيب الولاياتالمتحدة19.6 مليار دولار أمريكي. كما احتلت الصين المركز الرابع فقط في دنيا براءات الاختراعات علي الرغم من انها شهدت تطورات سريعة في العقد الماضي في هذا الصدد. معضلة الصين فكيف يمكن للصين أن تقلب الهيكل العالمي الحالي بشكل أساسي حتي ولو توجت بلقب الأولي اقتصاديا في العالم سواء في عام2016 أو في غيره؟ الجدير بالذكر أنه في عام2010 والكلام لايزال لوكالة الأنباء الصينية منح ارفيند سوبرا مانيان الخبير البارز بمعهد بيترسون للاقتصادات الدولية في واشنطن.. منح هذا الخبير الصين بالفعل لقب أكبر اقتصاد علي مستوي العالم من حيث تعادل القوي الشرائية وذلك قبل أسبوع من زيارة قام بها الرئيس الصيني هوجين تاو للولايات المتحدة. فقد اكد هذا الخبير أن حجم اقتصاد الصين في عام2010 بلغ8.14 تريليون دولار أمريكي بالمقارنة مع6.14 تريليون دولار للولايات المتحدة عند حساب تكاليف المعيشة المختلفة في البلدين. جاء ذلك فيما كان صندوق النقد الدولي يقدر إجمالي الناتج المحلي في الولاياتالمتحدة, من حيث تعادل القوي الشرائية( اي بمعيار تكاليف المعيشة) بنحو6.14 تريليون دولار أمريكي في عام2010 فيما كان الرقم في الصين يبلغ1.10 تريليون دولار. واضاف سوبرامانيان أن الصين لم تثر أية مخاوف بشأن بيانات صندوق النقد الدولي حيث أن المراجعة سوف تؤدي الي المزيد من الضغوط علي الصين لرفع قيمة عملتها مقابل الدولار وهو الأمر الذي تعارضه بيكين لانه سيؤدي تلقائيا الي الحد من القدرات التنافسية السعرية لصادراتها التي تغرق بها العالم. ألعاب رقمية وفيما يتعلق بهذه الألعاب الرقمية الاقتصادية قال ديفيد ليونهارت المراسل الاقتصادي لصحيفة نيويورك تايمز في مقالة تحت عنوان حول حجم اقتصاد الصين إنني حريص علي القول إنه حسب معظم المؤشرات فإن الولاياتالمتحدة لاتزال أكبر اقتصاد في العالم بفارق كبير. وذكر رانجيت لال زميل في برنامج بيتر مارتن لعام2010 الذي أطلقته صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية والاحصائي البارز في مقال له أن فرضية سوبرامانيا ميكيافيلية أو مليئة بأفكار نظرية المؤامرة ونظرا لأنه لا أحد يستطيع أن يثبت تخميناته فلا تستطيع سوي أن تثير استياء الصين قبل زيارة رئيسها هوجين تاو إلي الولاياتالمتحدة. تراجع أمريكي وقياسا إلي الاقتصادات الصاعدة في العالم انخفض نصيب اقتصاد الولاياتالمتحدة من إجمالي الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة, وتعرضت الدولة لتباطؤ في النمو بسبب لجوئها الي سلسلة من السياسات الاستراتيجية الخاطئة, مثل سياسة الابقاء علي العجز المالي والإفراط في توسيع هيمنة الأصول المالية الاحتكارية إضافة إلي الافراط في الاستهلاك واضمحلال الاقتصاد الوطني وسياسة التيسير( الكمي طبع الدولارات بدون حسيب ولا رقيب) وغيرها. فعلي الرغم من أن الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة شهد ارتفاعا ملحوظا بمعدل21% خلال الفترة بين عام2000 وعام2010 فقد انخفض نصيبها في الاقتصاد العالمي. علي سبيل المثال كان الناتج المحلي الاجمالي للولايات المتحدة يشكل61% قياسا الي مجمل الناتج المحلي الاجمالي ل19 دولة أخري في مجموعة العشرين في عام2000 غير أن نصيبها انخفض الي42% في عام.2010 وكان نصيب اقتصاد الولاياتالمتحدة يشكل أكثر من النصف في مجمل الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية, ثم انخفض تدريجيا حتي وصل الي حوالي الربع حاليا. وبالتزامن مع انخفاض نصيب الاقتصاد الأمريكي أصبحت الدولة تحرص علي الاستخدام المفرط للقوة ويتحول هيكل اقتصادها الي نمط طفيلي علي جسم الاقتصاد العالمي قاطبة. الجدير بالذكر أن قطاع التصنيع في الولاياتالمتحدة لا يسهم سوي بنحو10% من اجمالي الناتج المحلي أو من إجمالي أرباح المؤسسات للبلاد علاوة علي ذلك تحتل صناعة الخدمات خصوصا الخدمات المالية نصيب الأسد أو نحو80% من الاجمالي. وتشكل أرباح الصناعة المالية وخدمات العقارات أكثر من40% من مجمل أرباح المؤسسات في البلاد. من ناحية أخري أوضح خبراء الاقتصاد الصينيون أن أسعار صرف الدولار الأمريكي قد شهدت انخفاضا ملحوظا مقابل العملات الرئيسية في العالم في السنوات الأخيرة مماأدي إلي تخفيف ضغط الديون الهائلة للدولة غير أن البلاد تتعرض لمخاطر فقدان السمعة النقدية للدولار في العالم إذ تراجعت قيمة الدولار الي مستويات تنذر بالخطر الاقتصادي الداهم بسبب تمسك الحكومة الأمريكية بسياساتها الاقتصادية والسياسية الخاطئة وهو ماقد يعني أن اقتصادها قد يواجه كوارث حقيقية علي حد تعبير وكالة الأنباء الصينية.