العام الجديد الذي يبدأ اليوم لن يكون كغيره من سنوات طويلة مضت منذ أن حصلت مصر علي استقلالها بخروج آخر جندي انجليزي قبل ما يقرب من ستة عقود. الأحداث الكبري التي تعيشها مصر هذه الأيام من ارساء حجر الأساس للدولة المدنية الحديثة والتداول السلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة تحتكم لصناديق الاقتراع في اختيار البرلمان ورئيس الجمهورية, ومن ثم البدء في البناء والانطلاق نحو النهضة والتنمية الشاملة, كلها صفحات كان يجب أن تكتب في ذلك الوقت, حيث تزامنت الصحوة المصرية مع تجارب بلدان أخري مثل اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وغيرها من مجتمعات باتت في صدارة المجتمع الدولي ولها أدوار البطولة سياسيا واقتصاديا علي امتداد الساحة العالمية. العام الجديد الذي يبدأ اليوم هو بكل المقاييس علامة مضيئة في التاريخ المصري وللاجيال القادمة, حينما يصبح لمصر لأول مرة البرلمان القوي القادر علي محاسبة الحكومة ومراقبة المال العام, واقرار التشريعات الحامية للمصالح العليا للوطن وليس للنخبة الحاكمة فقط. وسيكون لمصر لأول مرة أيضا الرئيس المدني الخادم للشعب والقادم عبر انتخابات رئاسية حرة سوف تشهد تنافسا حقيقيا لا شبهة فيها للضغوط والتزوير. عام تأخر طويلا واستغرق الوصول اليه تجارب مريرة وزمنا غاليا دفعت ثمنه اجيال متعاقبة عاشت ما بين الزعيم الخالد والملهم والقائد المحنك, وجاءت الثورة الشعبية في يناير الماضي لتكشف الغطاء عن الحصاد المر من فقر وبطالة وعشوائيات وفساد يزكم الأنوف ويفوق الوصف والخيال ويحاكي أساطير الأولين. العام الجديد الذي يبدأ اليوم سوف يطوي وإلي الأبد عصور المغامرات الفردية التي تستنزف الطاقات والموارد لخدمة الحاكم الذي كان يوجه الدفة نحو اليسار والشيوعية تارة وإلي حيث مصالح بطانته تارة أخري, ولكن مصر الجديدة التي نستكمل مؤسساتها الدستورية ستكون قادرة علي توظيف امكاناتها وهي هائلة من أجل رخاء شعبها ولاحياء رسالتها الحضارية ودورها التاريخي في محيطها الاقليمي والدولي. العام الجديد الذي يبدأ اليوم سيضع التعريف والتصنيف اللائق بمصر التي وهبت العالم القديم أولي الحضارات البشرية وها هي تعطي الآن المثل والنموذج لبقية الشعوب الباحثة عن الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية. [email protected]