يسمونها الشيطانة في العديد من ربوع القارة الأوروبية, خاصة في اليونان التي توصف بأنها أرض الفلاسفة, والتي تعاني من أشرس أزمة ديون سيادية في تاريخها... إنها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.... وفي مناطق أخري من هذه القارة الشقراء العجوز, توصف ميركل أحيانا بأنها صورة نسائية طبق الأصل من الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر, وفي أحيان ثالثة توصف هذه الشخصية السياسية المثيرة للجدل في وسائل الاعلام الاوروبية بأنها تشكل النسخة الألمانية للمرأة الحديدية البريطانية الشهيرة مارجريت تاتشر التي أثارت الرعب والفزع في قلوب الطبقة العمالية في المملكة المتحدة خلال حقبة الثمانينيات. بل وربما بملامح أكثر ديكتاتورية وشراسة وصرامة في تبني المواقف والتشبث بها من تاتشر ذاتها. فلماذا ياتري هذا الهجوم الشعبي والاعلامي الاوروبي علي الدور الذي تضطلع به ألمانيا حاليا في قيادة الإتحاد الاوروبي عموما وهو الاتحاد المؤلف من شبع وعشرين دولة وفي تولي زمام المبادرة من منطقة اليورو التي تضم17 دولة والتي تعاني حاليا من واحدة من أسوأ أزمات الديون السيادية في التاريخ الاقتصادي الحديث. منتقدو الدور الالماني يتهمون برلين بأنها أحد الاسباب الرئيسية وراء تفاقم أزمة المديونية الأوروبية علي نحو يسفر الآن عن تشرد الملايين من وظائفهم, وتقليص رواتب ملايين آخرين, وتقلص مخصصات بنود الرعاية الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والإسكان شفي الدول التي كان يضرب بها المثل في الرفاهية وكرامة العيش. ألمانيا تقول عن نفسها أنها ليست دولة أوروبية عادية, فهي أكبر اقتصاد في أوروبا علي الاطلاق, إذ تبلغ قيمة إنتاج الاقتصاد الالماني من السلع والخدمات في السنة الواحدة أكثر ثلاثة تريليونات دولار أمريكي. ومن ثم فإن الاقتصاد الالماني يعد الركيزة الاساسية للعملة الاوروبية الموحدة اليورو, كما يعد هذا الاقتصاد الدعامة الكبري للمشروع الأوروبي القومي الوحدوي الممثل في الاتحاد الاوروبي. خطاب محوري ثمة من يقول أيضا, إن الخطاب الذي أدلت به أنجيلا ميركل في الثاني من الشهر الحالي أمام البوند ستاج البرلمان الالماني يشكل رؤية المانيا النهائية بشأن ما يتعين عليه أن يكون الاتحاد الاوروبي خلال وبعد أزمة الديون السيادية التي تزلزل كيان هذا الاتحاد, والتي تنذر باحتمال انفراط عقده ربما أقرب مما يتصور كثيرون. فقد ذكرت ميركل في هذا الخطاب أن هناك مرحلة جديدة في عملية الاندماج الاقتصادي الأوروبية, وكأنها تشير في هذا الصدد إلي ما يمكن أن يكون إعادة تأسيس لهذا الاتحاد لذي يعد أكبر اتحاد اقتصادي في التاريخ. وقد اقرت ميركل بأنه لاتوجد حتي الان أي حلول سريعة أو سهلة لأزمة الديون السيادية التي باتت تنذر بتفكيك أوصال العملة الأوروبية الموحدة التي تعد الرمز الأكبر لأضخم اتحاد نقدي في التاريخ. كما اعترفت ميركل بأن حل هذه الازمة قد يستغرق سنوات, مشددة مرارا وتكرارا علي أن من أخطأ من الدول الأوروبية في حق اليورو فعلية أن يدفع الثمن, وأن من يرفض دفع هذا الثمن فانه سيتعرض لعقوبات قد تصل الي حد الطرد من نادي اليورو. ويتمثل الثمن في حتمية التزام الشعوب الاوروبية المسرفة في إنفاقها بالمزيد من خطط التقشف وربط الاحزمة علي البطون حتي يمكن حمايتها من شبح الافلاس. الجبروت الالماني ولكن ما سر هذا الجبروت الالماني؟ ثمة من يفسر هذه الصرامة الألمانية بعدة أمور منها أن برلين لا تتمتع فقط بأكبر اقتصاد في اوروبا, وانما تعد أيضا المساهم الاكبر في كل خطط الإنقاذ المالي التي حصلت عليها ثلاث دول أوروبية حتي الان وهي اليونان, والبرتغال, وأيرلندا. هذا الامر دفع ميركل إلي الدعوة إلي إعادة هيكلة الاتفاقيات والمعاهدات التي تأسست عليها منظومة الاتحاد الأوروبي, بل وإلي تبني معاهدة جديدة تماما للاتحاد وهو ما ظهر جليا خلال أحداث قمة الاتحاد الأوروبي. فالحكومة الالمانية لا تريد الان أن يكون هناك اتحاد نقدي فقط بين دول مجموعة اليورو, وانما أيضا اتحاد في السياسات المالية تلك السياسات المتعلقة بالميزانيات العامة والضرائب, بما في ذلك فرض عقوبات صارمة علي اية دولة تنتهك قواعد هذه المعاهدة الجديدة المأمولة. وتمثلت الحجة التي استندت إليها ألمانيا في هذا الخصوص في قولها: إن الشعب الالماني يؤدي دوما واجباته الاقتصادية فلا يعرف السفه في الانفاق, بل ويدخر الكثير من دخله, ويتمتع بإنتاجية عالية, وبقدرات تنافسية نادرة.فلماذ. تتنهض بقية الشعوب الاوروبية هي الاخري بمسئولياتها الاقتصادية بدلا من الاتكال علي الالمان والخزينة الالمانية؟ هكذا تتساءل ميركل. الكيل فاض فدافع الضرائب الالماني فاض به الكيل بعد ان اصبح مطلوبا منه بحكم الامر الواقع ان يمد يد عون سخية لكل دولة اوروبية توشك علي الافلاس... او هكذا صار علي ما يبدو لسان حال المستشارة الالمانية. ويعني هذا الامر, انه يتعين علي الدول الاوروبية خاصة تلك التي تتعامل باليورو ان تتخلي عن جزء من صلاحياتها المالية السيادية لمؤسسات الاتحاد الاوربي, وهو ما رفضته بريطانيا التي لاتتعامل باليورو بزعم ان هذا الامر يضر بقطاعاتها المالية التي تعد الركيزة الكبري للاقتصاد المحلي في المملكة المتحدة. اكثر من ذلك فان المانيا لديها حساسية تاريخية ازاء مشكلة التضخم اي انها تخشي بشدة من أي تراجع شديد في قيمة عملتها الوطنية. فالتاريخ لايمكن ان ينسي انه خلال حقبة العشرينيات من القرن المنصرم, هوي سعر صرف المارك الالماني الي ما يعادل اكثر من اربعة تريليونات مارك للدولار الواحد وذلك من جراء ازمة الكساد الكبير في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين, والمانيا تتبني سياسات اقتصادية صارمة من اجل الحفاظ علي معدلات الغلاء المعيشي عند مستويات معقولة مهما كان الثمن حتي لو كان هذا الثمن هو طرد اية دولة من دول مجموعة اليورو تسول لها نفسها كسر المعايير الاقتصادية التي قامت عليها الوحدة النقدية الاوروبية. لكن في المقابل هناك من يقول ان المانيا التي تدعي الان الشرف المالي هي كانت من بين اوائل من استفادوا ممن تسميهم برلين بسفهاء اوروبا مثل اليونان اذ كانت برلين تعمد الي تصدير انتاجها من السلاح الي ارض الفلاسفة خلال الازمة السياسية بين انقرة واثينا. كما ان المانيا كانت من اوائل من انتهكوا المعايير الاقتصادية التي تقوم عليها الوحدة الاقتصادية والنقدية الاوروبية, فلماذا لا تلتمس برلين بعض العذر لمن نالته الازمة المالية العالمية بسوء خاصة وانها وقعت في نفس الاخطاء التي تلوم الاخرين عليها الان ؟