مع اقتراب نهاية عام2010 وتسارع الماراثون لإنقاذ االيوروب وتسديد ضريبة نجاح الاتحاد الأوروبي, كان انعقاد القمة التي شملت رؤساء وقادة27 دولة في بروكسل أخيرا. وفيما يتعلق بمهمة الانقاذ, فقد تمثلت في الحيلولة دون وقوع االعملة الموحدةب رمز المشروع الأوروبي والمنعطف التاريخي للسلام في أوروبا الموحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, فريسة للأزمات المالية والتوابع الاقتصادية الناجمة عن تفجر الأزمة اليونانية في مايو ثم الأزمة الأيرلندية في نوفمبر. وكلاهما ناجم عن تراكم الديون السيادية والعجز عن الاقتراض من أسواق المال العالمية لإعادة سداد الديون المستحقة في مواعيدها, وذلك لارتفاع أسعار الفائدة والتقارير السلبية من جانب مؤسسات تصنيف الائتمان العالمية. ومع التسليم بأن أزمة االيونانب نجمت عن فساد الأرقام الاقتصادية في اطار لعبة الكراسي الموسيقية بين الأحزاب السياسية فإن أزمة اأيرلنداب نجمت بالدرجة الأولي عن حلقة مفرغة من الاندفاع لسحب الودائع المصرفية نتيجة أزمة القروض العقارية ولجوء البنوك الايرلندية إلي قروض المركزي الأوروبي لتصل في نهاية شهر أكتوبر2010, إلي130 مليار يورو, مما دفع المركزي الايرلندي إلي تقديم قروض(20 مليار يورو) حتي يمكن الحفاظ علي الحد الأدني من الأصول التي تسمح لها بمواصلة الاقتراض من المركزي الأوروبي. ولقد توالت أجراس الخطر من مؤسسات دولية وأوروبية وكذلك البورصات بينما ظلت الحكومة الايرلندية ثابتة علي رفضها اللجوء إلي المساعدات المالية الخارجية الطارئة. وقد كانت الأزمة الايرلندية ذات ملابسات مختلفة عن نظيرتها اليونانية, وذلك لعدة أسباب: (1) حدوث الأزمة في أعقاب الأزمة الأولي, أوجد حالة من التوجس في الدوائر الأوروبية, دفع بالعملة الموحدة إلي الانخفاض الشديد, فزادت حدة الفوضي في النظام النقدي العالمي والبورصات. (2) تصاعد حدة الرأي العام المعارض لتقديم مساعدات مالية لإنقاذ اايرلنداب لما يتضمنه من أعباء علي دافعي الضرائب في الدول القوية والملتزمة اقتصاديا مثال المانيا لمصلحة دول لا تحسن إدارة أمورها المالية, مما أدي إلي مزيد من الضغوط علي اليورو. (3) زيادة المخاوف حول الأوضاع الاقتصادية والجدارة الائتمانية لاسبانيا والبرتغال, مما جعل الموقف الأوروبي أكثر تحفظا تجاه اايرلنداب مقارنة باليونان, وقد حملت المانيا ثم فرنسا راية التدقيق في ماهية الآلية التي يمكن استخدامها لإنقاذ االحملة الموحدةب. من أزمات الدول الأعضاء في المنطقة حاليا ومستقبلا؟ (4) مساهمة الاقتصاد اليوناني ونظيره الايرلندي في اقتصاد المنطقة, لا تتجاوز2.6% و1.8% علي التوالي بينما يبلغ نصيب الاقتصاد الاسباني11.8% محتلا بذلك المرتبة الرابعة بعد المانيا, فرنسا, ايطاليا, ومن ثم مخاطره أعلي. (5) طرحت في اطار خطط الانقاذ وجهة النظر الألمانية المطالبة بضرورة تحمل المستثمرين وحاملي السندات السيادية, جزءا من الخسائر المترتبة علي عجز الحكومات عن السداد, وكان لهذه المقترحات أثرها في مزيد من التقلبات في أسواق المال والعملات. (6) أبدت بريطانيا رغبتها في مساعدة جارتها الايرلندية, ولكن وجودها خارج منطقة االيوروب, قصر مساهمتها في اطار الآلية الأوروبية للاستقرار المالي وبنسبة زهيدة. (7) المثير للدهشة في هذه الأزمة أنها تعود بجذورها إلي الانهيار العالمي للتمويل العقاري, ولكن بنوكها استطاعت اجتياز ااختبار الاتحاد الأوروبيب في مواجهة الظروف الصعبة في يوليو2010(shesstests), وفي نوفمبر, تفجرت الأزمة!! وقد انتهي الجدل الصاخب حول اايرلنداب بالاتفاق علي حصولها علي قروض انقاذ من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي تبلغ85 مليار يورو, علي غرار االيونانب التي حصلت علي110 مليارات يورو. في اطار سياسة تقشفية وانخفاض حاد في الانفاق العام, أثار استياء شعبيا عاما. إلا أن هذا الاتفاق لم يحل دون تصاعد القلق حول مصير اليورو, وما تحمله التطورات بالنسبة للاقتصاد الأوروبي الموحد. فكانت الدعوة إلي القمة الأوروبية لبحث هذا القلق وكيفية مواجهة أسبابه في المستقبل وطبقا لخطة طويلة الأجل وذات قواعد دائمة وإذا كانت القمة قد استطاعت الالتفاف علي معضلة تعديل بنود في معاهدة لشبونة وتعد الدستور الأوروبي, وأقرت آلية دائمة للانقاذ والاستقرار المالي مع مضاعفة رأسمال البنك المركزي الأوروبي. فإن الجدل لن يتوقف في منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي, وبالتالي أصداؤه العالمية في الأسواق المالية والدوائر السياسية, فمازالت التعديلات تنتظر موافقة البرلمان الأوروبي الذي يضم العديد من ألوان الطيف السياسي.. ثم يعرض للتصديق من جانب الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ككل, وذلك حتي بدء العمل بالآلية الدائمة في يونيو2013!!! أي بعد ثلاث سنوات, كما أن الموقف الألماني المتشدد تجاه الممارسات المالية الرخوة لدول الأزمة, وضرورة تحمل تبعاتها في صورة سندات قومية منفردة بعيدة عن المشاركة الجماعية أي( موحدة), وأن يتحمل المستثمرون جزءا من أعباء الخسارة المالية, لا يعطي الضوء الأخضر لانفراجة امنطقة اليوروب. كما أنه لم يحم ابرلينب من قائمة انتقادات تشير إلي أن فائضها التجاري تحقق علي حساب الدول الأضعف اقتصاديا, بينما تتصاعد حمي المعارضة السياسية في البوندستاج. ولكن يظل يحسب للاتحاد الأوروبي مبادراته وعدم يأسه من تكرار المحاولة والإقناع وفي ظل مناخ ديمقراطي غير متشنج.. فأصبح النموذج الذي يتطلع إليه العالم بشقيه المتقدم والنامي, وليكن فيه للمنطقة العربية اعبرةب.