ربما بدت فى الأمر مفارقة عندما اختار قادة العالم واحدة من أبرد مناطق الأرض لمناقشة قضية الاحتباس الحرارى ومع ذلك تظل الآمال معقودة على قمة المناخ المقبلة فى الدنمارك. عندما تحدث خبير علم النفس الاجتماعى هيرالد فلتزر، صاحب كتاب «حروب المناخ» عن قمة كوبنهاجن التى ستعقد من السابع إلى الثامن عشر من شهر ديسمبر المقبل، استعان بمقولة للشاعر الألمانى هاينر موللر تقول أن «التفاؤل جهل»، ليوضح أن القمة التى ستجتمع فيها 192 دولة لن تحقق الكثير. فهو يرى أن المفاوضات التى ستجرى حول المناخ فى كوبنهاجن لها «أهمية رمزية» لأنها ستتناول مواقف كل من الصين والهند وأوروبا والولاياتالمتحدة من مسألة تقليص نسبة انبعاث ثانى أكسيد الكربون فى العالم، وستنتهى دون أن يتم التوصل إلى معاهدة دولية جديدة حول المناخ تحل محل بروتوكول كيوتو السارى حتى عام 2012. وإذا كان رأى هيرالد فلتزر هو الرأى الذى يرجحه الكثيرون لاقتناعهم بأن الخلافات بين الدول الغنية والفقيرة بشأن تمويل تكاليف مواجهة ظاهرة تغير المناخ ما زالت تشكل عقبة رئيسية أمام إبرام معاهدة جديدة، فإن الأمل فى التوصل إلى اتفاق لإنقاذ كوكب الأرض من تأثيرات التغيرات المناخية لايزال يحرك القادة نحو القمة التى يتوقع أن يحضرها أكثر من 15 ألف مسئول ودبلوماسى ومستشار وصحفى. ويحدد رئيس اتفاقية الأممالمتحدة للتغير المناخى إيفو دى بوير أربع نقاط رئيسية يجب أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها خلال القمة حتى يكتب لها النجاح حسبما ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، أولا مدى جدية الدول المتقدمة فيما يتعلق برغبتها فى تخفيض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى، وثانيا استعداد الدول النامية للتصدى لظاهرة التغير المناخى، وثالثا تحديد حجم التمويل الذى ستقدمه الدول المتقدمة للدول النامية من أجل معالجة تلك الظاهرة، ورابعا الاتفاق على الطريقة المناسبة لإدارة تلك الأموال. ومما لا شك فيه أن القضية الأساسية التى تأتى على رأس أولويات القمة هى «تقاسم الأعباء» بين الدول لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة نحو 80% بحلول 2050 بالمقارنة بالمستويات التى كانت عليها عام 1992 للحد من مخاطر ظاهرة الاحتباس الحرارى، فالدول النامية تعلم جيدا أن التصدى لهذه الظاهرة يحتاج مليارات الدولارات تعجز عن توفيرها. فقد ذكر تقرير البنك الدولى نشر فى أكتوبر الماضى أن الاحتباس الحرارى يكلف الدول النامية سنويا بين 75 و100 مليار دولار من أجل معالجة عواقبه بين العامين 2010 و2050، وقال كبير اقتصادى البنك الدولى جاستن لين أن تلك الدول ستتكبد «قرابة 75 إلى 80%» من الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية، على الرغم من أنها لم تسهم بأكثر من «ثلث» الانبعاثات الإجمالية من غازات الدفيئة العالمية. وفى استطلاع للرأى، أجرته صحيفة الجارديان البريطانية يتوقع 9 من كل 10 من خبراء المناخ أن الجهود السياسية المبذولة للتصدى لظاهرة الاحتباس الحرارى لن تنجح. كما ذكرت الصحيفة أن العديد من النشطاء المعنيين بشئون البيئة سيتوجهون إلى العاصمة الدنماركية لكى يعبروا عن احتجاجهم على مفاوضات المناخ التى لم تثمر عن نتائج ايجابية حتى الآن. وخلافا لإدارة جورج بوش السابقة التى تجاهلت مخاطر ظاهرة التغير المناخى على الرغم من أن الولاياتالمتحدة من أكبر الدول الملوثة للبيئة، جعل الرئيس الأمريكى باراك أوباما مسألة التوصل إلى قانون حول المناخ أحد أولوياته التشريعية الكبرى، لكن مسئولين حكوميين أمريكيين حذروا من أن التصويت على مشروع قانون حول المناخ بهدف تقليل نسبة انبعاث الغازات الدفيئة لن يتم قبل القمة مما يقلل من أهميتها، والسبب فى تأخر التصويت حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هو معارضة الجمهوريين له، فهم يصفونه بأنه «الضريبة الوطنية الجديدة التى يفرضها الديموقراطيون على الطاقة»، ويرون أنه سيؤدى إلى فرض قيود على الصناعة ستساهم فى ارتفاع أسعار الطاقة مما يضر بالاقتصاد الأمريكى. ونقلت شبكة (فوكس نيوز) الأمريكية عن مسئول رفيع المستوى فى الإدارة الأمريكية قوله «التفكير السائد الآن فى الإدارة هو أنها لن تكون قمة رؤساء دول، ولذلك فلن يكون من الضرورى حضور الرئيس شخصيا». فمن المقرر أن يتسلم أوباما جائزة نوبل للسلام فى أوسلو ثانى أيام عقد المؤتمر، وربما يستخدم الكلمة التى سيلقيها آنذاك فى التحدث عن التغير المناخى. ومن ناحية أخرى، يعمل أوباما على دفع مفاوضات المناخ مع مختلف دول العالم إلى الأمام، فقد تعهد أوباما ونظيره الصينى هو جنتاو بالعمل على إنجاح المفاوضات فى كوبنهاجن، كما تعهد هو جينتاو بخفض انبعاثات ثانى اكسيد الكربون فى بلاده «بنسبة كبيرة» بحلول 2020 مقارنة مع مستوياتها فى عام 2005. كما تعهدت الصين واليابان وكوريا الجنوبية «بالعمل معا وبشكل وثيق» حتى تكلل القمة بالنجاح، ووقعت الهند والصين اتفاقا للتعاون لإيجاد سبل لمكافحة تغير المناخ. ورغم ذلك ترفض الصين، وهى من أبرز الدول المنتجة لملوثات الهواء فى العالم، أى تقييد فى مجال خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، كما أنها تطالب البلدان الصناعية بتقديم مساعدة مالية للبلدان النامية فى هذا المجال. ولكن الولاياتالمتحدة ومعها عدة دول أخرى لا سيما اليابان وكندا وأستراليا تريد طى صفحة كيوتو والتوصل إلى اتفاق جديد، لكن الكثير من المفاوضين يخشون أن يؤدى الاتفاق الجديد الذى تقترحه الولاياتالمتحدة إلى مرونة كبيرة جدا ولا يسمح تاليا بلجم ارتفاع درجات حرارة الأرض. أما الاتحاد الأوروبى الذى يتمسك بمكتسبات اتفاقية كيوتو فقد عبر فى أكثر من مناسبة عن خشيته من فشل قمة كوبنهاجن. حيث صرح أرتور رونج ميتزجر رئيس وحدة المناخ فى المفوضية الأوروبية فى تعقيب على الاجتماع الذى عقد فى شهر أكتوبر الماضى فى بانكوك برعاية الأممالمتحدة والذى كان الهدف منه الوصول بنص قصير ومكثف «أن الجميع أصيب بخيبة أمل من وتيرة المفاوضات»، وأضاف: «لم يتم التوصل بعد إلى تسوية على الرغم من بدء العد التنازلى لموعد انعقاد القمة.» ولا يرى رونج ميتزجر أن الجولة الأخيرة من المفاوضات، التى ستنعقد من 2 إلى 7 نوفمبر فى برشلونة بين موفدى 180 بلدا مشاركا فى المؤتمر، ستساهم فى الوصول إلى تسويات لأن «كل وعود الدول مشروطة ومرهونة بتدابير يتخذها الآخرون».