من حق الشعب الفلسطيني الذي انتظر كثيرا وهو يعيش في ظل حصار, وقتل, واعتقالات, وهدم للمنازل, وحرق للمزارع, أن ينال حريته واستقلاله والعودة إلي دياره, ومن حق النساء والأطفال والشيوخ أن يعيشوا حياة طبيعية. كي يتمكنوا من الخلود إلي النوم دون الخوف من قصف بربري يطالهم أو يطال ذويهم... وهناك مشاهد أكثر ألما تهز ضمير كل إنسان حر, فهناك من يطرد عنوة من بيته الكائن بأحياء مدينة القدس, بذريعة انه لا يملك تصريحا بالإقامة, فيعتقل أو يقتل أو يبعد, في وقت يستوطن فيه الآخرون, هناك أيضا آلاف الأسري الفلسطينيين والعرب انطوت عليهم السنون وهم داخل الباستيلات الصهيونية, لا يعرف مصيرهم أحد, السؤال هنا: كيف لهذا الشعب الأبي, أن ينتصر؟, كيف لنا أن ننصر شعب فلسطين في وقت عجزنا كأمة عربية لعقود مضت عن فعل ذلك؟ إن الشعب الفلسطيني لا يواجه احتلالا بعينه, وإنما يواجه دولا كبري, فليس سرا أن أمريكا هي من تقف خلف الاحتلال الصهيوني في عدوانه ضد شعب فلسطين, بينما تدعي بأنها سيدة الديمقراطية والحرية, وتدعم دولا وشعوبا لهذا الهدف, وعندما ينسحب ذلك علي حرية الشعب الفلسطيني الضحية, تتغير المفاهيم والمباديء. والمثير للدهشة هنا, لماذا تفعل أمريكا ذلك؟ وهي تعلم انها تخاطر بمصالحها الحيوية في الوطن العربي وربما تفقدها, إذا ما ظلت تناصر اسرائيل!. الغريب ياسادة, ان الولاياتالمتحدةالأمريكية, بينما ترسل المساعدات للشعوب الفقيرة وتناصر الضعفاء والمضطهدين في عموم الأرض باسم الديمقراطية وحقوق الانسان, ظلت تدعم الحكام والأنظمة في الوطن العربي حتي وقت قريب, وهو يجعل الأمور تختلط أكثر, كيف لدولة عظمي بحجم أمريكا, المفروض أنها لا تخشي قوة أخري, تدعم الحكام العرب لعقود طويلة؟ وسبحان الله بمجرد أن ثارت الشعوب العربية, وبسرعة البرق تحولت أمريكا إلي نصير لها, وذلك لاحتوائها قبل أن تسلك طريق الإرادة, والتي جاءت لتغير موقع الأمة العربية من حالة رد الفعل إلي حالة الفعل, وبمجرد أن ظهر عنفوان الشباب المصري في حادثة إحراق السفارة الاسرائيلية في القاهرة, سحبت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية, وبقلم جوزيف جوف, ما قامت به من ترحيب أمريكي بثورات الربيع العربي, لأن فقراء مصر هاجموا السفارة الاسرائيلية في القاهرة علي حد قول الصحيفة. إن الولاياتالمتحدةالأمريكية ببساطة لا تريد لنا ولشعوبنا ولا لشبابنا العرب, أن ينتقلوا من حالة اليأس إلي حالة الرفض وهو ما حصل في ثورات الربيع العربي فعليا بعد انتظار دام عشرات السنين, إن حالة الرفض هذه أدت بلا شك إلي إحداث الثورات الشعبية في العديد من البلدان العربية, ما يعني امتلاك زمام المبادرة نحو تغيير الحالة من الوضع السيئ إلي الأفضل, ولأن التغيير والتطوير من سمات الإنسان, وفق نظريات علم الاجتماع, حتما ستؤدي إلي أحد أمرين بناء حضارة الأمة, أو استعادتها, لذلك فإن واشنطن شعرت بقلق بالغ إزاء ما جري في الوطن العربي, ولأن النظام الليبي السابق لا يهمها كثيرا, أرسلت الطائرات لإسقاطه أملا بالتصالح مع الشعب الليبي الثائر, بينما غضت الطرف عما يجري في اليمن حفاظا علي مصالحها. في وقت ظلت تعاند الارادة الدولية في دعم الشعب الفلسطيني. الواضح, ان أمريكا مازالت تكيل بمكيالين, أحدهما يدعم مصالحها في المنطقة والآخر لحماية اسرائيل!, لقد أرادت واشنطن لنا أن نبقي شعوبا أسيرة, بلا ارادة ولا تطور, وهي تدرك تماما أننا إذا امتلكنا الارادة, سنمتلك القرار, ونعيد صياغة علاقاتنا مع دول العالم وفق نظرية( تبادل المصالح), وهو ما سينسحب دون ريب علي وضع الشعب الفلسطيني الذي يتطلع إلي الانعتاق من قبضة الاحتلال. إن المنطقة العربية تعيش مخاضا عسيرا, نحو إعادة بناء الإنسان العربي القوي, علي أساس الندية بما يحقق آمال الأمة العربية عموما وشعب فلسطين علي وجه الخصوص, ولا أتجني إن قلت انه عاني من قصور عربي لأزمة لأكثر من ستة عقود, بشعارات وإدانات وتصريحات لم ترق إلي مستوي التهديد بالرد علي جرائم الاحتلال, يبقي علينا أن نستعد جيدا لما ستفرزه المرحلة القادمة من أوجه جديدة, قد تفلح في الانتقال بنا إلي ما نصبو إليه, وقد لا تفلح, المهم أن نواصل السير في الطريق الذي بدأ, ولهذا وذاك فإن فلسطين مازالت تنتظر غدا أفضل إذا ما أصبحت علي طريق الربيع العربي وهي قطعا مازالت تنتظر علي الطريق. كاتب ومحلل سياسي