تبقي القاهرة هي عاصمة العروبة, دون أن ينقص ذلك من قدر أي عاصمة عربية. القاهرة هي العاصمة التي احتضنت جامعة الدول العربية, أطلقت موجات التحرر من أجل الاستقلال العربي عن هيمنة الاستعمار القديم, قادت الحلم العربي حربا في مواجهة إسرائيل, قادت الطموح العربي من أجل سلام عادل وشامل, تنشأ عنه الدولة الفلسطينية المستقلة, وتحتفظ بالقدس الشرقية عاصمة لها, وقفت ولاتزال حائط صد يحمي المناعة العربية أن تسقط في فخ الهرولة نحو أي سلام بأي ثمن. القاهرة في ذلك كله تنطلق من قاعدة الواجب, وما يمليه عليها التزامها بمحيطها العربي الذي تكتسي به, وهي تعتز بدورها, وتدفع فاتورته, دون أن تمن علي أحد, ودون مقابل من أحد, ويخطئ من يتوهم أن القاهرة يمكنها أبدا أن تتحلل من شرف الالتزام بمسئولياتها العربية. مياه كثيرة جرت في الواقع العربي, منذ تأسست جامعة الدول العربية, وحتي يومنا هذا, خمسة وستون عاما, أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها شهدت قيام دولة العدوان الإسرائيلي علي أرض العرب, لتقطع ولتمزق الوحدة الترابية لهذا الوطن العربي في شرق المتوسط, فصلت بين الشام التاريخي بمكوناته الثلاثة سوريا ولبنان وفلسطين من جهة, وبين العمق الاستراتيجي في قلب العروبة النابض وهو مصر, أضف الي هذه الواقعة, ما ترتب عليها من تغييرات جذرية في العالم العربي, ومن حروب متواصلة وإن اختلفت أشكالها, ومبادرات سلام لم يقدر لها أن تكتمل حلقاتها, فمازالت الدولة الفلسطينية غير ذات وجود علي أرض الواقع, ولاتزال أراض عربية تحت الاحتلال, ولاتزال المرارة في حلقوم كل عربي, من جراء الإحساس الغاضب والساخط تجاه الصلف الإسرائيلي المدعوم بمسلسلات من الخديعة الأوروبية الأمريكية المشتركة. تغيرات من كل جانب أدركت وألمت بالواقع العربي في خرائطه, في تماسك دوله, في علاقات شعوبه, في أنماط ثروته, في أوضاعه الداخلية, فهو يمتلئ بكل ما هو جديد من وقائع وأفكار ومشاريع وتفاصيل, تبدو كلها غير متأكدة من اتجاه حركتها, هل هي في صعود أم هبوط؟ هل هي تتحرك الي الأمام أم الي الخلف؟ ونستكمل.