شهداء غلابة وأهلهم شهداء دم الشوارع أمهات وآباء أب بيدور علي ابنه في كشاكيله وعروسة تأخد من مأذون منديله ريحة كف الحبيب راحت ريحة الوطن ماراحتش ريحة الثورة ماضاعتش لسه في عرقنا ودمنا بتهل انزل يامصري للشوارع بل ريق مصر بالنبض اللي بيقول لأ قوم انزل علشان الشهداء شايفينك هكذا كانت' تنتحب' مع القصد والإصرار والترصد في حذف النقطة من فوق حرف ال(ح) هكذا كانت تنطق وتتكلم وتصرخ بإصرار وحزن وتحد وعند وإرادة.. هكذا كانت تذرف دماءها بدلا من دموعها التي راحت تغرق كل من وقف في شوارعها. هكذا كان قلبها يعتصره الالم ونن عينيها يعميه الشجن ولسان حالها يقولها لا محالة.. انزل واكتب عند في جبينك ضرب الكلاب السوداء مايهينك أما الإهانة إنك تموت مهزوم. هكذا أقسمت أن حقها لن يضيع هدرا.. وأنها ستستمر برغم أنف المضادين والانتهازيين وأصحاب المصالح والكراسي. إنها أرض ميدان التحرير التي كان شعارها في جمعة أمس' رد الاعتبار للشهداء' بكل المقاييس الرحلة إلي الميدان هذه المرحلة مختلفة تماما عن أي مرة دبت قدماي فيها ومشت في شوارعها. احساس بارهبة ضبطت نفسي متلبسة به وسرعان ما سرت قشعريرة في جسدي ربما شعرت معها ببرد قارس يجتاح كل أطرافي.. ولا أعرف لماذا أحسست بأن الميدان قد امتلأ عن آخره ليس بالاجساد البشرية ولا بالهتافات الساخنة ولا باللافتات التي تستوقفك أمام خفة ظلها لكنها هي الأرواح التي راحت هائمة هنا وهناك, تحوم حولك في كل خطوة تخطو بها بقدميك.. أنفاس متلاحقة وآهات موجوعة تكاد تسد أذنيك وأنين خفيف ترمي أذنيك نحوه فتكتشف أنه نحيب من العيار الثقيل. لا أبالغ عندما أقول: إنني شعرت بهم يحومون من حولي انها أرواح شهداء الشباب اللي زي الورد الذي وقع ليس فقط في19 نوفمبر لكن منذ25 يناير ولا أعرف لماذا أحسست ايضا بأن ميدان التحرير قد تحول بقدرة قادر إلي' مدينة الملائكة'. أفقت من شرودي وإحساسي الذي أخذني طويلا إلي عالم السماء لأهبط إلي دنيا الأرض التي راحت تهتف ويعلو صوتها: قالوا حرية وقالوا قانون والثوار جوه السجون يلا لفق في القضية هو ده شعار الداخلية وها هو هتاف آخر يلتف الواقفون حوله ويرددون وراءه: من ماسبيرو للميدان دم الشهداء في كل مكان من السفارة للحدود دم الشهداء مش هيروح وها هي البالونات السوادء التي تحمل كل واحدة منها اسم شهيد من الشهداء الذين وقعوا برصاص قناصة الداخلية في28 يناير أو الذين وقعوا في احداث ماسبيرو برصاص يقولون عنه إنه' من مجهول' وآخرون قد وقعوا مختنقين من المسيل للدموع الذي أثبتت والحمد لله وبجدارة تحسد عليها وزارة الصحة أنه خال من أي مواد مسممة أو مسرطنة أو مؤذية. ها هي البالونات السوداء' الغليوم' تطير ف.و.وق في السماء تذهب بعيدا لتستقر مع أصحابها لعلها تذكرهم بأن هناك من يحيا علي الأرض ولن ينساهم..!!! جلست علي أحد أرصفة الميدان ودموعها تنهمر بلا توقف, تلك السيدة العجوز التي ذكرتني بما كتبه فؤاد حداد: بكيت مسحت دموعي.. بمسح دموعي بكيت.. ظنتنها في البداية والدة أحد الشهداء فكانت المفاجأة عن بتبكي ليه يا أمي؟! زعلانة أوي علي مصر.. وصعبان علي الشهداء اللي وقعوا, ربنا يصبر قلب أمهاتهم. انت منين يا أمي؟! أنا جاية من دار السلام.. وصدقيني لو قلت لك مش عارفة إيه اللي جابني هنا, أنا كنت طالعة من البيت مخنوقة وزهقانة, ما بقتش طايقة القنوات اللي عمالة تجيب صورة للتحرير وصورة للعباسية.. وعمالين يرغوا عمال علي بطال.. فركبت المترو ونزلت السادات ولقيت نفسي هنا. تواصل كلامها قائلة: أنا مش عارفة إيه اللي حصل لبلدنا ده زمانه فرحان دلوقت وهو قاعد في الداهية اللي بيتعالج فيها وبيقول علشان تقولوا ولا يوم من أيامي بس أبدا مش هنقولها, ده هو وعصابته اللي وراء كل اللي بيحصل في مصر.. بس كمان إيه اللي اتغير من يوم الثورة, وإيه الانتخابات اللي عملوهادي أنا بسمع يابنتي إن المسلمين هم اللي خدوها الله طيب المسيحيين ماخدوش حاجة ليه ما هم برضه كان لازم يتراضوا, احنا عمرنا ما فرقنا بين مسلم ومسيحي, أنا في حتة شعبية والمسيحيين أصحابنا دول بيصوموا رمضان معانا وبعدين إحنا عاوزين نعيش مع بعض في سلام بس كمان لازم حق الولاد اللي استشهدوا دول يرجع إيه ده هو احنا بقينا في إسرائيل ده اليهود ما بيعملوش في الناس اللي هناك كده.. بجد أنا نفسي نحس بالأمان وكفاية بقي دم, والشباب اللي وقعت دي لازم اللي كانوا بيطلبوه يتحقق.. أنا سمعتهم بيقولوا في المظاهرات النهاردة.. يا نجيب حقهم.. يانموت زيهم.. كفاية موت بقي.. احنا عاوزين حق اللي ماتوا وبلاش دم تاني.. قطع حديثنا هتاف آخر.. لا ائتلافات ولا أحزاب الشرعية من الميدان.. استوقفت أحدهم الذي راح منهمكا في حالة الهتاف لأسأله عن شرعية الميدان فأجابني.. صحيح أن أعداد المتظاهرين في التحرير قد قلت بشكل واضح عن الأيام الماضية وصحيح أن الانتخابات النزيهة التي يتكلمون عنها قد تمت, وصحيح أن التيار الإسلامي اكتسح المرحلة الأولي كما هو متوقع وصحيح أن كل القوي السياسية والائتلافات قد أعطت ظهرها لميدان التحرير, ولم تلتفت سوي للكراسي والمصالح, وهذا ما أظهر وجهها القبيح.. إلا أن هذا لا يعني أن الميدان كان خاطئا وأن مطالبه لم تكن في محلها وصدقيني أن الأيام المقبلة ستشهد تغييرات عديدة. وصدقيني أيضا عندما أقول لك: إن من أعطي ظهره للميدان اليوم سوف يأتي إليه في الغد القريب وليس البعيد عندما يكتشفون أن تيار الإسلام السياسي لا يملك حلولا حقيقية لحل مشاكل وطننا, وأنهم بياعين كلام ويتاجرون بالدين لمصالحهم الشخصية وأن كل هدفهم هو الوصول للسلطة, سوف ينزل الجميع للميدان الذي يعتبر رمزا للثورة والذي أسقط بالفعل شرعية مبارك ونظامه سينزلون إلي الميدان عندما يكتشفون فشل حكومة الجنزوري وهم أنفسهم سيطالبون بحكومة الإنقاذ الوطني والمجلس الرئاسي المدني, وللأسف الناس مش فاهمة ولكن هي دي الثورات.. يقوم بها الشجعان ويركبها الجبناء.. ولكن النصر في النهاية والشرعية في البداية والنهاية ستظل لميدان التحرير. عندما أنهيت حديثي مع هذا الشاب لم أملك سوي الاستسلام لقدماي التي وجدتها تقودني للخروج من الميدان. لا أعرف لماذا قررت الخروج بسرعة ولماذا أصابتني حالة من الاختناق ولكني أعترف بأن كلمة المجهول قد لاحقتني. إلي أين نحن ذاهبون؟! صحيح أن الانتخابات البرلمانية قد انتهت مرحلتها الأولي ولا نملك سوي انتظار مثيلتها الثانية والإعادات والفرز والذي منه.. وصحيح أن التيارات الإسلامية قد فازت بنصيب الأسد.. ولكن إلي أين تأخذنا معها؟! وماذا ستشهد المرحلة المقبلة ما بين التحرير الذي أصبح متهما في نظر الكثيرين بتعطيل عجلة الإنتاج بما أننا يعني شعب منتج وليس مستهلكا وبنصدر كل شيء ولا نستورد أي سلعة!! والعباسية الذين يؤيدون عبر المنصات ويدخلون في حرب كلامية مع التحرير.. والانتخابات الرئاسية وغيره وغيره في الأحداث التي ترتبط بالمجهول.. ماذا ستشهد الأيام المقبلة.. ومصر رايحة بينا علي فين؟! أسئلة لا نملك سوي الانتظار لكي نستكمل إجاباتها.