الكرامة تعني احترام حقوق الإنسان, وصون كرامته وآدميته. وما يعنينا في هذا المقام هو إلقاء نظرة علي الخبز أو الاقتصاد كان الشعار التلقائي لثورة25 يناير في أيامها الأولي هو خبز حرية كرامة وإذا جاز لنا أن نترجم هذه الشعارات بلغة السياسة, فالخبز يعني الحاجة إلي تحسين مستوي المعيشة وضمان العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات المجتمع وثمار إنتاجيته, والحرية تعني حق الشعب الأصيل في الحياة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة, والكرامة تعني احترام حقوق الإنسان, وصون كرامته وآدميته. وما يعنينا في هذا المقام هو إلقاء نظرة علي الخبز أو الاقتصاد ونود أن نبدأ بنظرة عامة: أين نحن؟ وأين نود أن نكون؟ ثم نردفها في مقال تال برؤية تتضمن اقتراحات عملية محددة. يقاس التقدم الاقتصادي للدول بمجموعة مؤشرات أساسية أهمها: * الناتج القومي الاجمالي للدولة: وهو الاجمالي النقدي لجميع الخدمات والبضائع في فترة ما. والناتج القومي للفرد هو حاصل قسمة الناتج القومي للدولة علي عدد أفراد المجتمع. * مقدار النمو السنوي في الناتج القومي: وللحصول علي النمو الحقيقي يتم طرح نسبة الزيادة السكانية من النمو السنوي * كيفية توزيع الدخل العام: وهناك عدة مؤشرات لقياس عدالة التوزيع, أبرزها قياس متوسط الدخل لأغني شريحة( مجموعة الدخل لأغني20% من السكان) ثم قسمتها علي مستوي الدخل لأفقر شريحة(20%) ويعتبر التوزيع عادلا إذا لم تزد هذه النسبة علي3. وإذا نظرنا إلي الوضع قبل ثورة25 يناير نجد الآتي: أ طبقا لبيانات مركز اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بلغ الناتج المحلي الاجمالي في8402010/2009 مليار جنيه, بواقع ناتج قومي متوسط للفرد10,500 جنيه سنويا. ب تراوح النمو السنوي في الدخل العام لمصر خلال الأعوام القليلة الماضية بين5 7% وهو نمو يعتبر مرتفعا, ولكن لم تظهر آثاره بسبب الفساد وسوء توزيع الدخل العام حيث يحصل أغني20% من المجتمع علي أكثر من40% من الدخل القومي ويحصل أفقر20% علي أقل من8%( ترتيب مصر هو الدولة رقم90 في مؤشر جيني لقياس عدالة توزيع الدخل القومي وهو ترتيب متأخر) ج حبانا الله بثروات ودخول ريعية لا بأس بها, حيث تبلغ عائدات قناة السويس حوالي6 مليارات دولار سنويا, وهو دخل ريعي, وتصل عائدات السياحة إلي6 مليارات دولار سنويا وهو أيضا دخل ريعي/ خدمي يتأثر بعوامل الاستقرار والأمان كما تزيد عائدات تحويلات المصريين بالخارج علي10 مليارات دولار سنويا وهي دخل متذبذب طبقا للوضع السياسي الداخلي والأوضاع الاقتصادية الدولية ومتانة العلاقات الخارجية, ولدي مصر احتياطي جيد من الغاز الطبيعي( المؤكد منه1,6 تريليون متر مكعب) مما يضعها في المرتبة22 ضمن أغني بلاد العالم بالغاز الطبيعي, واحتياطي من البترول(4,3 بليون برميل) يضعها في المرتبة27 دوليا في الاحتياطي المؤكد للبترول. د طبقا للبيانات المتاحة فقوة العمل تصل إلي26 مليون فرد يعمل نصفهم في الخدمات, ثلثهم في الزراعة وسدسهم في الصناعة, وتشكل الخدمات48% من الدخل القومي, الزراعة14% والصناعة38% ه تصل نسبة الاقتصاد الخفي بمصر إلي أكثر من نصف الناتج المحلي وفي بعض التقديرات تصل إلي ثلثي الناتج المحلي, والاقتصاد الخفي هو الدخول غير الرسمية والتي تشمل أنشطة مثل الاكراميات, العمولات, الدروس الخصوصية, الباعة الجائلين, الرشاوي, التجارة غير الشرعية( مخدرات, تهريب, أنشطة دعارة) أيضا دخول البلطجية في أعمال السرقات والشغب أو مواسم الانتخابات. و يلتهم الفساد جانبا غير يسير من الدخل القومي ويشير مؤشر مدركات الفساد الموضوع بواسطة منظمة الشفافية العالمية بلندن إلي ترتيب متدن لمصر( المركز رقم98) ضمن دول العالم. والفساد في مصر أنواع كثيرة فهناك فساد الكبار الذي تحركه الأنانية والجشع وهناك فساد الصغار الذي يحركه غالبا استكمال لقمة العيش والاحساس بالظلم. ولكن من الظواهر الفريدة في النظام المصري والتي لا يوجد لها مثيل حتي في أعتي النظم الرأسمالية هو التفاوت الفادح في دخول أفراد القطاع الحكومي نفسه. في مصر الستينيات كان مرتب الوزير200 جنيه شهريا ومرتب خريج الجامعة20 جنيها شهريا بنسبة10:1 أما في مصر2010 فقد بلغت مرتبات كبار الموظفين في شتي القطاعات( شاملة حزمة من الحوافز والبدلات والمكافآت وحضور اجتماعات وخلافه) إلي أكثر من مئة ضعف مقارنة بنظيره خريج الجامعة الحديث, وهي نسبة غير عادلة وينتج عنها نقص الشعور بالانتماء وضعف المعنويات. ز قامت الدولة ببيع معظم شركات القطاع العام, وكنا نظن أن حصيلة البيع ستستخدم في سداد الديوان المتراكمة أو في تمويل مشروعات البنية الأساسية. إلا أننا فوجئنا بتراكم ديوننا حتي تعدت تريليون جنيه في العامين الماضيين, كما فوجئنا ببناء مشاريع ذات طابع خدمي بحت مثل محطات مياه الشرب والصرف الصحي من خلال مشاريع بوت( مشاريع بوتBoot هي استثمارات أجنبية يتم بموجبها منح حق الامتياز لشركة ما لبناء وتملك وإدارة وبيع ناتج المشروع ثم حصد مكاسب البيع لفترة امتياز متفق عليها). والسؤال: هل تخلت الدولة عن دورها حتي في صميم عملها الذي هو تمويل وبناء البنية الأساسية؟ ح تآكلت الطبقة المتوسطة بمصر خلال العقدين الماضيين والتي كانت تشكل معظم مواطني الشعب المصري, فأصبحت تشكل أقلية بينما أكثر من50% يعانون الفقر المدقع. ولعل هذا التآكل كان أحد العوامل الرئيسية لاندلاع ثورة الغضب. من واقع ما تقدم نخلص إلي أن الاقتصاد المصري لديه نقاط قوة تتلخص في: ثروات طبيعية ودخول ريعية, وعلينا أن نتذكر أن دولا مثل اليابان وكوريا لم تحظ بأي ثروات طبيعية ولكنها تقدمت اقتصاديا ببناء الإنسان. طاقة كامنة لنمو اقتصادي سنوي يتراوح من6 7%, وبالحفاظ علي تلك النسبة يمكن أن يتضاعف الدخل القومي كل عقد. إلا أن لدينا أيضا تحديات تتلخص في: التهام الفساد وسوء التوزيع لجانب كبير من الدخل القومي. تراكم الديون بنوعيها الداخلي والخارجي. ما العمل في ذلك الواقع الاقتصادي المعقد؟ في مقال تال سوف نعرض رؤية حول توجهات اقتصادية تسعي للإصلاح ومحاولة تقويم المسار.