احتجاجات ومظاهرات فئوية وقطع طريق.. هذه وسائل التعبير التي اعتادها أصحاب المطالب وأصبحت ثقافة الصوت العالي تخيم علي جميع مؤسسات الدولة. وكأن المسئولين لا يستجيبون لأية مطالب إلا بالتظاهر والاحتجاج وهذا يؤكد أن لغة الحوار غائبة.. فهل هذا ينذر بتحول مصر لجمهورية اعتصامات لا تتوقف؟ منذ قيام الثورة كان الكل يريد الهروب من عالم المظالم والفساد إلا أن ذلك تحول بفعل التسرع أو بفعل المضادات الأرضية لاعداء الثورة إلي دوامة الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية لا تتوقف ولا يكتفي أصحاب المطالب بالاعتصام والاحتجاج ولكن يلجأون لطرق التصعيد لتلبية مطالبهم فمنهم من يقطع الطريق ويلجأ إلي أسلوب العنف للتعبير عن مطالبه والاستجابة لها, فلاشك أن حالة الكبت التي عاني منها الشعب المصري طوال الثلاثين عاما الماضية وغياب لغة الحوار أسباب رئيسة لتولد حالة الانفجار التي نعاني منها الآن لكن السؤال كيف نصل لمرحلة تفاوض قبل أن تتفاقم المشكلات؟ كلما لجأت إلي سياسة التصعيد تحصل علي حقك.. هذا منطق المعتصم للحصول علي حقه سواء بالصوت العالي أو الاضراب أو قطع الطريق بصرف النظر عما يتسبب فيه من تعطيل طريق أو عمل, ويحلل الدكتور عبداللطيف خليفة أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة اتباع ثقافة الصوت العالي للتعبير عن المطالب بأن حالة الكبت الشديد التي عاني منها الشعب المصري طوال السنوات الماضية, ويلجأون لسياسة التصعيد للتعبير عن مطالبهم, لعدم شعورهم حتي الآن بتطبيق القانون ويعتقدون أنه كلما زاد الضغط تتحقق مطالب أكثر. ويري أن الحكومة دعمت سياسة الاحتجاجات لانها لم تضع من البداية تصورا شاملا عن المشكلات ووضع جدول زمني لحل هذه المشكلات, وهي تعد رسائل تدعم ثقافة الصوت العالي بدلا من تقريب وجهات النظر عن غير قصد, وهذا يحتاج إلي ضرورة الوصول إلي مشروع قومي يلتف حوله كل المصريين ليفتح باب الحوار, وان نستمع لبعض ونتقبل الرأي الآخر بعيدا عن المصالح الشخصية, لأن استمرار الاضطرابات يؤدي إلي حالة ارتباك وفوضي غير مطلوبة في المرحلة الراهنة. مجلس الوزراء أصبح لا يخلو يوما من الاعتصامات والاحتجاجات ويلجأ المعتصمون لقطع شارع قصر العيني للضغط علي الحكومة لانتزاع المطالب الفئوية وكان آخرها اعتصام عمال النقل العام الذي خسر الدولة عدة ملايين, وحول ذلك توضح الدكتورة فيفيان فؤاد أستاذة علم النفس انه من الطبيعي في الوقت الحالي أن تسود ثقافة الصوت العالي للتعبير عن المطالب خاصة بعد الثورة, وعلي الجهاز الإداري للدولة أن يقترب من الشعب بألا تكون قراراته علي عكس رغبات المواطنين, وأن تكون الوعود في حدود الإمكانات المتاحة وان يتم تعيين مندوبين من المجلس العسكري بكل الوزارات لبحث المطالب والعمل علي حلها, وفي الوقت ذاته يستوعب أصحاب المطالب الظروف التي تمر بها البلاد من سوء للأحوال الاقتصادية وانهيار البورصة, وان التصعيد للحصول علي المطالب يستفز الحكومة لذلك فلابد من الشفافية في الإعلان عن إمكانات الحكومة لتحقيق المطالب في الوقت الحالي, وأن تكون طموحاتنا في هذه الحدود علي أن يتم وضع جدول زمني لتحقيق كل الطموحات وان تشرك الحكومة المواطنين في اتخاذ القرار. انعدام الثقة في الحكومة مازال يسيطر علي تفكير المواطنين وهو ما يدفعهم للجوء للتصعيد للحصول علي مطالبهم وحول ذلك يري الدكتور محمد ندا أستاذ التدريب والتنمية البشرية بجامعة القاهرة أن الوقت الحالي يصعب التفاوض لمنع التظاهرات والاحتجاجات خاصة وان جميعها مطالب مشروعة لان الشك والتخوين يسيطران علي الوضع الحالي لذلك لابد من الشفافية وبناء جسور الثقة بين الحكومة والشعب علي أن يتم تحقيق الاستقرار أولا قبل بحث المطالب وان يكون المواطن شريكا في كل قرار تتخذه الحكومة ويساعد في تنفيذه. وهناك مثل تركي يقول( الطبل صوتهم عالي لأنه أجوف).. يلخص هذا المثل سلوكيات بعض الأشخاص الذين يستخدمون صوتهم العالي كسلاح لهم في المواقف التي تكون فيها مواجهة بينهم وبين شخص أو أكثر يشعرون بانه علي حق وموقفهم ضعيف, معتقدين بان( ثقافة الصوت العالي) يمكن أن تتغلب علي الطرف الآخر, وأنه يستطيع أن يحصل علي حقه كلما علا صوته أكثر, وحول ذلك يري عبدالفتاح عابد رئيس منظمة الشرق الأوسط للسلام وحقوق الإنسان أننا طوال ثلاثين عاما لم نتعود علي ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر وبعد الثورة وثقافة الانفتاح بدأ الكل يعبر عن مطالبه واختلفت القواعد والمقاييس وهناك بعض القوي السياسية التي لم تتمكن من الحديث وأصبح لها صوت أما فيما يخص الاضرابات فيجب ان تسود سياسة الاضراب السلمي كما يحدث في الدول المتقدمة بشكل لا يوقف العمل وعجلة الإنتاج وايجاد طريقة ليصل صوت أصحاب المطالب دون حاجة لاستخدام الصوت العالي خاصة, وان البعض يستغل هذه التظاهرات لتحقيق أهداف سياسية لتحقيق عدم الاستقرار والانفلات الأمني لعدم إجراء الانتخابات في موعدها لذلك لابد من وضع خطة للمرحلة القادمة لتحقيق الاستقرار وتشجيع الاستثمارات لضمان تشكيل مجلس شعب قوي يدافع عن حقوق الناس بطريق مشروع. واعترض بشدة علي اضراب المعلمين حيث يري أنه يولد لدي النشء قيما ومبادئ غير مرغوب فيها, فيجب أن نعلمهم طريق التعبير بطريقة حضارية وسلمية وليس فوضوية دون اتلاف أو تدمير وعلي الحكومة أن تعقد جلسات جدية لمناقشة أي مطالب. ثقافة التظاهر لم يعرفها المصريون فقط بعد الثورة بل عرفوها بعهدي السادات وجمال عبدالناصر ولكن بعد الثورة دخلت مصر في دوامة التظاهرات وهو ما يحتاج لوضع حل عاجل للتفاوض وحل المشكلات قبل تفاقمها.