عندما تتساقط أوراق الأشجار, وتتبدد لحظات الخريف الموحشة الموجعة مع اقتراب النهاية, وتبدأ البراعم الوليدة ثورتها متأهبة في الخروج والاخضرار, ذلك يعني انها البداية لتباشر صباح يوم جديد! تلك هي سنة التغيير التي تنحصر فيها الحياة فيما بين الميلاد والموت ولا سبيل لنا إلا هما في التغيير, فهما سنة الله في خلقه, وتلك هي الحياة ولا مناص!! وما بين الميلاد والموت لنا فيه حياة بارادة منا في الأفعال الخيرة والشريرة, وإلا لما خلق الله لنا العقل لنعقل والقلب لنهتدي ونؤمن..!! من هنا يصبح علينا الاختيار حتي لو كان اختيارا منقوصا. ولكنه ملزم ومشروط تحكمه شرائع ودستور سماوي! يجعلنا أحيانا لعلمنا أو لجهلنا في أشياء مسيرين لا مخيرين. ولاننا في النهاية سوف نتحمل نتيجة الاختيار لذا وجب علينا إعمال العقل واستفتاء القلب ومراجعة الضمير, فما بين لحظة وانتباهه يبدل الله من حال إلي حال, شئنا أم أبينا! من هنا تبدأ اشكالية السؤال والذي دائما ما يشغلني لم الصراع والتصارع والتكالب والتناحر في الحياة والذي يبدأ جميعه بالسعي, وهو الشيء المطلوب والمرغوب فيه ولكنه ينتهي عند بعض الناس الذين ربما لا يدركون مردود أفعالهم بنهايات مؤسفة, خاصة ممن يصرون علي اثبات الوجود وأخذ الحقوق عنوة, هؤلاء هم دائما الذين لا يريدون أو يرغبون في التغيير إلا من خلالهم, لذا يحاولون تغيير المسارات الصحيحة علي حسب هأوائهم لا علي حسب الحق واعمال الحقيقة, وبالتالي يكون التصادم في أحقية الحقوق المشروعة وغير المشروعة وهو ما يحدث الآن في مصر نتيجة تطاحن الأحزاب والتيارات, ولكن من يدفع الثمن دائما؟! بالطبع هم الفقراء ولا محالة!! فعندما أراد الله الخلاص بذبول الأوراق المسمومة وأينعت الأشجار بأزاهير الثورة الوليدة في25 يناير من رحم مصر, بباكورة اللحظة الأولي وشبابها الأخيار. ساعتها التف الشعب حول باقة الورود وأدرك أنه قد حانت لحظات التغيير التنويرية بميلاد جديد لينعم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية, بمساندة القوات المسلحة التي سرعان ما أخذت مواقعها يدا واحدة مع جموع الجماهير في كل انحاء مصر, ولم يكن غريبا عليهم فهم درع الوطن ونسج من نسيجه الحر, الذين تحملوا الكثير والكثير منذ قيام الثورة الوليدة بسعة الصدر الرحب وهذا واجبهم. وسوف يسجل لهم التاريخ في محافلهم بطولة لضبط النفس وعدم الانهزامية والخروج بمصر معافاة من انقسامات حزبية تحاول الهيمنة وفرض الوصاية علي الرأي العام في كل التظاهرات الأخيرة للوصول إلي أقصي المكاسب والتي بدأت بظهور الفلول وثورتها المضادة من الداخل والخارج مما جعل منشقين لا ينتمون إلي الثوار يقومون بالابتزاز للمجلس العسكري بأفعال غير مسئولة لا تصدر عن عقلية واعية تسعي لمصر بالوصول لتحقيق امال وأهداف مرجوة تحقق الاستقرار والأمن للبلاد فاندفع الكثيرون لعدوي التظاهرات من أطياف المجتمع المدني في انسياقهم وراء ثقافة الابتزاز للوصول إلي أهدافهم متناسين في ذلك الصورة العامة التي يصدرونها عن مصر في الخارج والتي أثرت بالسلب علي الاقتصاد المصري بالتبعية, حتي لو كان لهم الحق في ذلك كمطلب من مطالب الثورة في تحقيق العدالة الاجتماعية, وأيضا نتيجة قمع وفساد اغتصبت فيه حقوقهم وعاشوا فيه منذ سنوات طويلة ولكن لم يكن وقته علي الاطلاق وخاصة في الفترة الانتقالية ما بين الأسود والأبيض. ولكن للأسف الشديد كانت بداية المشكلة وحدثت الانشقاقات وتحزب اللامتحزبون في صور عديدة ومختلفة لعديد من الأحزاب المؤسسة وتحت التأسيس إلي أكثر من أربعين حزبا بعضها وطني مطأطيء الرأس والبعض وطني بيكاكي انشيء تحت مسميات أخري وثنايا دروب ملتية, والبعض الآخر. الذي لم يثبت وجوده من قبل, ثم الشباب المسكين غير المسيسين من اتحادا وائتلافات الثورة, الثوار منهم واللاثوار الذين وصل عددهم إلي أكثر من مائة وعشرين اتحاد وائتلافا, وبدأ الحراك السياسي, ونتيجة اختلاف الأهداف علي تقسيم الوليمة بدأت الصراعات في صورة اضرابات الواحد تلو الآخر في جميع القطاعات الحيوية للدولة, في الوقت الذي ظل كثير من الشعب المصري صامتا فقط يريد الاستقرار والحفاظ علي كرامته التي حرم منها سنوات طويلة ولم ينل منها إلا طفيفا بعد الثورة. وبدلا من السيطرة علي الأسعار في الأسواق زادت الاعباء, كما زادت البلطجة والابتزاز من أجل مآرب خاصة, وكشفت بعض التيارات عن وجهها الخفي وخاصة بعد تحالفات وتوازنات. تم هناك مشكلة آنية أخري وأعني بها المصلحة العامة للشعب التي تاهت في يوم جمعة بين أروقة ميادين الحرية فيما بين الحق والذي يراد به باطل والذي تخرج جميع التيارات والأحزاب باسمه والرابح منهم يلعب لعبة العصا والجزرة ليحصل علي الاعتراف, وكان آخرها جمعة استرداد الثورة, ولست أدري حقيقة حتي الآن استردادها ممن؟ ولمن؟ خاصة أن الأمر بات مفضوحا ان كل قطيع يعمل لدعايته الانتخابية علي طريقته الخاصة. واتساءل..؟ ممن تسترد الثورة؟ من المؤسسة العسكرية التي يجب إلا نشكك في نزاهتها أبدا مهما يحدث لانهم صمام الأمان لمصر وحراسها أم ممن يسرقونها ويسطون عليها بالابتزاز دون مراعاة لمشكلات تفاقمت في طرح حلها للمساكين والفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم؟ هل فكر أحد من هؤلاء السادة الذين يشيعون الفوضي في إنسان فقير قفز من النافذة وانهي حياته لمعايرة أهله له بفقره وعدم قدرته علي سد احتياجات أولاده؟ هل فكرتم في كيفية عودة الأمان للأسرة المصرية وفي كيفية اجتياز الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر وأزمة السيولة التي تحاول مصر فيها الاستدانة علي حساب مستقبل مصر والأجيال القادمة وقطاعات حيوية مثل قطاع السياحة الذي يعد من الموارد الأساسية للبلد وتشريد أهله؟ كنت أتمني أن تفكروا في مظاهرة من أجل استرداد الأخلاق في الشارع المصري؟ أو في معالجة الظواهر المسيئة للشعب المصري ومنها ظاهرة التسول التي زادت لضيق العيش, هل فكرتم في آليات شكل الانتخابات المقبلة وشكل الشعارات الهدامة والعمل علي محو ثقافة الابتزاز لكسب الأصوات بشكل رخيص؟ وهل فكرتم في منع الرشوة والمحسوبية لكي تصبح مصر دولة متقدمة حقا في الانتخابات المقبلة؟ كنت أتمني أن نفكر في كيفية القضاء علي الفساد من أجل الوصول لسلطة نظيفة بتقديم اقرارات للذمة المالية لكل إنسان يدخل قائمة انتخابية أو لكل مسئول عند دخوله وخروجه من السلطة وكيفية وضع آليات لتثقيف الفرد واعطائه حرية الاختيار بدلا من ممارسة السيطرة والهيمنة بظواهر الابتزاز واهدار كرامته عنوة بالرشوة والفهلوة, أم أن مفهوم التثقيف مازال تلقينيا يحمل دائما بعدا استعماريا حسب المصلحة الخاصة وهو ما يعد نوعا من الحروب الباردة تجاه الفرد من المجتمع, ومن ثم الغني علي الفقير. إن ثقافة التغيير في مصر حسب إدراكنا تتأرجح دائما بين المرغوب والممنوع والممكن ولكنه مستحيل! وهو الضمان الأكيد لأمريكا وإسرائيل استمرارا لقوتهما من أجل تحقيق سلام مبتور في الشرق الأوسط بالمفهوم الأمريكي بين العرب وإسرائيل والتي كشفت عن وجهها القبيح في الفترة الأخيرة وشعاراتها المزيفة باسم السلام والديمقراطية والحرب علي الإرهاب بعدم موافقتها علي قيام دولة فلسطينية ارضاء للوبي الصهيوني الذي يمول الانتخابات الأمريكية. ويشرع قوانينها المغلوطة والتي لا تخدم إلا أهدافها الاستراتيجية في المنطقة العربية. من هنا أقول يجب الانتباه للفرصة السانحة الآن والبحث في جدلية التغيير المثمر للإنسان المصري بوجود آليات مفعلة وقوانين تضمن عدم التحور حتي ينتج المجتمع كائنا جديدا يتواءم مع البيئة المصرية الجديدة فيحدث التغيير المنشود. فالتغيير الحقيقي ليس في تغيير القادة أو القوانين وانما في تغيير القانون الأخلاقي السيئ بدلا من التغيير بثقافة الابتزاز.