بخطوات متثاقلة مترددة وبأنفاس متلاحقة وبعيون زائغة خائفة اتجه الطفل محمد إسماعيل عبدالستار15 سنة إلي المدرسة الثانوية العسكرية للبنين بأبو المطامير مع أول أيام العام الدراسي الجديد. هذا القلق والتردد الذي يلازمه لم يكن نتيجة الخوف من انتقاله من مرحلة الإعدادي إلي التعليم الثانوي أو لأنه ترك زملاء يعرفهم إلي آخرين وهو غريب عنهم, ولكنه كان ناتجا عن هم كبير يحمله علي كتفه باعتباره أحد أبناء( مؤسسة الأحداث) المودع بها إيداعا مفتوحا منذ عام2010 بتهمة هتك عرض علي ذمة القضية رقم53 لسنة2010 جنايات, هذا الهم الذي كلما تذكره الطفل انهمرت دموعه وبكي ورفع يديه إلي السماء يشكو إلي الله والده وعائلته التي كانت السبب الرئيسي في الحكم عليه في تلك الجريمة التي يردد دائماأنها قد دبرت له بسبب نزاع أبيه مع إحدي العائلات بقريتهم بسبب قطعة أرض زراعية, ويظل الطفل المتهم يردد( حسبي الله ونعم الوكيل) كلما تذكر كيف انتهي نزاع أسرته مع الخصوم بفوز والده بقطعة الأرض المتنازع عليها وكيف توعد الطرف الآخر والده بالانتقام منه شر انتقام, وهو ما تجلي عندما دفع الطرف الآخر بأحد ابنائه في طريق الطفل واختلق الأسباب والمواقف والظروف لمصاحبته والاختلاء به في العديد من الأماكن تحت سمع بصر العديد من الجيران واستمراره في نشر شائعات تؤكد انحراف الطفل جنسيا حتي أستوت الطبخة واكتملت أركان عناصر الانتقام, فتقدم الطرف الآخر ببلاغ يتهم فيه الطفل محمد باستدراج ابنه أحمد والبالغ من العمر12 سنة إلي أحد الحقول واعتدي عليه جنسيا مما تسبب في إصابته بحالة صراع وانطواء, وبمباشرة النيابة التحقيق في وقائع البلاغ ونتيجة لتحريات المباحث وتقرير الطبيب الشرعي وشهادة الشهود والجيران الذين تأثروا بالمواقف والشائعات التي لازمت الطفل محمد فقد صدر الحكم ضده بالإيداع المفتوح بمؤسسة الأحداث بدمنهور وبالرغم من دفع المتهم وأسرته بأن تلك الواقعة ملفقة نتيجة وجود نزاع بين عائلة المتهم وعائلة المجني عليه علي قطعة أرض زراعية فتوعد علي أثرها والد المجني عليه بالانتقام الذي تمثل في إحداث هتك عرض ابن مقدم البلاغ بواسطة( خرطوم مطاطي) لاتهام الطفل محمد بإحداث فعل الهتك انتقاما منه, لكن جاء حكم المحكمة بتأييد إيداع الطفل محمد(إيداعا مفتوحا بمؤسسة الأحداث) وتستمر دعواته( حسبي الله ونعم الوكيل), وأخيرا يستسلم الطفل الي ارادة الله وهو شاعر بأنه ضحية لظلم أبيه وظلم خصم أبيه( مقدم البلاغ) وظلم المجتمع كله وهكذا يبدأ فصل جديد في حياة محمد داخل المؤسسة تحت الرقابة المشددة من فريق العمل بها, وبالملاحظة الدورية سواء الصباحية أو المسائية الذي يقوم بها مدير المؤسسة( الخبير الاجتماعي) علي فهمي ومتابعة سلوكه الفردي وعلاقاته مع الجماعة وكانت نتيجة الملاحظة أن الطفل يسلك سلوكا طبيعيا ولم تصدر منه أي محاولات لممارسة الشذوذ الجنسي, وبهدف إعادة تأهيله ودفعه للتكيف مع المجتمع قام مدير المؤسسة وفريق العمل معه بوضع خطة لإعادة ادماجه مع المجتمع بشكل طبيعي, وحيث إنه قبل الحكم عليه كان تلميذا بالصف الثالث الإعدادي, فقام مدير الدار باحضار الكتب والمذكرات الخاصة بمحمد كما قام باعطائه دروسا خصوصية لتعويض ما فاته من دروس كما تمكن من إلحاقه بامتحان اتمام الشهادة الإعدادية, حيث تمكن الطفل المحكوم عليه بالإيداع بالمؤسسة من النجاح والحصول علي الشهادة الإعدادية والحصول علي مجموع94% ونظرا لنبوغه الدراسي تم الحاقه بالمدرسة الثانوية بأبوالمطامير وإعطائه الدروس الخصوصية والسماح له بزيارات متعددة لأسرته, وهكذا أصبحت المؤسسة مكانا لرعاية وفتح آفاق للمستقبل وليست مكانا للعقاب, وبعد فإن المجتمع دائما ما يسمع عن عقوق الأبناء للأباء ولكن الغريب في تلك القضية هو استخدام الآباء أبناءهم وقودا وضحايا لنزاعاتهم وخلافاتهم ومشكلاتهم. وكان مدير أمن البحيرة قد تلقي بلاغا من مزارع يتهم فيه محمد14 سنة بهتك عرض نجله12 سنة وبعرض المجني عليه علي الطبيب الشرعي أكد تعرضه للاعتداء الجنسي, فأحيل المتهم إلي النيابة التي حولته إلي المحكمة فأصدرت حكمها المتقدم.