لم يمر اسبوع علي حادثة رفع العلم المصري علي السفارة الإسرائيلية في الجيزة إلا وأنطلقت أعداد متزايدة من الشباب مرة أخري في محاولة تخطي إنجاز الشحات وتحقيق إنجاز أكبر وأعظم وإذا كان البطل القومي الأول الذي رفع العلم علي السفارة قد فاز بشقة فماذا ينتظر من يقوم بتكسير السور الاسمنتي, أو يحرق مكاتب السفارة او يحطم صورة الرئيس الإسرائيلي بداخلها أو ربما الإتيان بكرسي السفير وإلقائه مشتعلا من أعلي المبني؟ فبينما تم في المرة الأولي تكريم الشاب الذي تسلق العمارة وأنزل العلم,ففي المرة الثانية حين انطلق الشباب لاقتحام السفارة, معتبرين هذا عملا بطوليا أكثر جرأة وخطورة من إنزال العلم, تفاجأ الشباب بالشرطة العسكرية والأمن المركزي تلاحقهم!!! ولم نعرف نحن المصريون ولم يعرف العالم من حولنا والذي سمع نبأ تكريم هذا البطل القومي وقيام أحد المحافظين بإعطائه شقة( بل وظهور بطلا آخر يطالب بنفس الشقة) مغزي هذا الفعل وترجمته الحرفية: فهل هو يعبر عن سعادة الحكومة المصرية بهذا الفعل البطولي( كون المحافظ عضوا بها) أم يعبر عن موقف شخصي من محافظ يقوم بتوزيع الشقق علي من يريد( علي اعتبار أنها شقة من الشقق الشخصية التي يمتلكها)؟ أو هو سقطة من الحكومة لإسعاد الشعب الثائر علي الحقد والكره الإسرائيلي لمصر والمصريين؟ العجيب أن كل الفضائيات قد أظهرت الشباب من ساعات نهار الجمعة وهم يحاولون تكسير الحائط الاسمنتي والذي استمر لساعات الليل وبدون السؤال عن العبقري الذي فكر في بناء حائط أمام السفارة في وقت يمثل فيه الحائط رمزية كبيرة للعلاقة مع الاستيطان الإسرائيلي خاصة أن بناء الحائط جاء بعد أيام من الهدوء واختفاء المتظاهرين من امام السفارة فإن غياب أي مقاومة أو قوات شرطة أو جيش تعترض طريق هؤلاء الشباب وعملية التكسير يمثل في حد ذاته موافقة ضمنية ومشاركة من أجهزة الدولة في هذه الجريمة. هذا السيناريو الكارثي قد سبقته سيناريوهات حادث مباراة الزمالك ثم بلطجية العباسية ثم ضرب أهالي الشهداء ثم التراس الأهلي, لم تظهر أي شخصية من الحكومة تتحدث معنا وتشرح الموقف أو تظهر لنا ورقة واحدة فيها تحليل أو تحقيق عن هذه الحوادث!! لا اعتقد أن وراء كل هذه الحوادث فلولا أو أيادي خفية ومندسة, بل خلفها سقطات وقرارات فردية عشوائية في مجملها فالسيد المحترم عضو المجلس الذي هاجم مجموعة6 أبريل قد زاد احتقان الناس عليها بلا سبب ودليل ربما يكون أخطأ والسيد الذي أصدر قرار الهجوم علي التراس الأهلي لمواجهة نشيدهم غير المحترم ربما يكون أخطأ والسيد المحافظ الذي منح بطل انزال العلم شقة ربما يكون اخطأ والآخ الذي ترك الشباب يكسرون السور الاسمنتي لساعات قد أخطأ والسيد المحترم الذي ترك الانفلات الأمني في مصر يتردي الي أسفل سافلين ربما يكون قد اخطأ والشباب الذي أندفع يكسر ويحطم في السفارة ومباني الداخلية كما كانوا يفعلون دائما أيام مبارك قد أخطأوا لكننا في المجمل لا نريد الاستمتاع بتوجيه الاتهامات بل نريد أن يتوقف هذا النزيف من الحوادث والكوارث التي تهدد ليس فقط ثورتنا بل كياننا ومستقبلنا. هذا النزيف لن يتوقف الا عندما يكون المجلس العسكري والحكومة متأكدين من موقفهم وحازمين أمرهم وأن يعترف كل مخطئ بخطئه بكل شجاعة ويعمل علي تصحيحه. لن يتوقف الانزلاق نحو الهاوية الا إذا حاور النظام الجديد الناس وخرج للشارع وقابل الأزمات بالحوار والشرح والحلول العملية وليس بالصمت أو إرسال الجيش, فهذه أسلحة نظام مبارك وقد أثبتت فشلها. إنني أثق كامل الثقة في أن كل أعضاء المجلس العسكري والحكومة صادقون في حبهم لمصر, ولكنهم علي ما يبدو غير قادرين علي طي صفحة الماضي وأساليبه وأفكاره البالية, وفتح صفحة جديدة مع الشعب يغيرون فيها حياتهم نحو الأفضل, اننا اليوم أمام شعب كامل قد يكون قد أخذ السلطانية مقابل ثورته فلم يعد يعرف هل قيامه ببيع نظام مبارك قد حقق له احلامه أم لا؟ وهل يستطيع أن يستعيده ليسترجع شيئا مما كان يتمتع به من آمان؟ يستطيع المجلس أن يثبت كذب وتضليل نظرية السلطانية فقط بالفعل وليس الكلام. نعم هناك محاكمات اسطورية تجري الآن لم نكن نحلم بها, ولكن في المقابل, هناك ملايين من المصريين يحاولون أن يبحثوا عن الجديد الذي أضافته الثورة لهم ولايجدون؟ وأتساءل في سذاجة لماذا لا نقوم بعمل أي شيء مختلف يشعر الناس بأن الثورة نجحت؟ لماذا لا نقوم كما يقوم المصري الأصيل ببعض الطقوس كي يجدد حياته: فيقوم بطلاء البيت أو تعديل العفش أو حتي دعوة الأهل علي زفر؟ لماذا لا نطهر البيت من الحرامية والبلطجية والفاسدين ونطلق مبادرة لهذا الغرض لماذا لا نجتمع لنبني المباني الحكومية المهدمة ونطلي واجهات المباني والمساجد والكنائس لماذا لانرمم العلاقات التي تم تدميرها مع الشرطة والمحليات والتعليم والصحة؟ لماذا لا تفتح كل محافظة ووزارة أبوابها للمواطنين لمقابلة كبار مسئوليها والتعرف علي أوضاعها واشراك المواطن في قضاياها حتي يتحول المواطن بحق الي مالك وليس مستأجرا للوطن؟ في النهاية أتوجه للمجلس العسكري والحكومة بالسؤال: لماذا لا يتكلم معنا أحد؟ لماذا تضعون لنا تصريحات وبيانات علي النت وتنسوا اننا نحتاج إلي أن تتواصلوا معنا وأن تفهمونا والأكثر هو احتياجنا في أن نصدق كلامكم! أنظروا لأكبر دولة في العالم أمريكا يخرج رئيسها بحديث أسبوعي وبيانات وتصريحات فورية وعلنية فور كل حدث في العالم وأني لأتعجب كيف صدق250 مليونا أمريكيا حكومتهم عندما أعلنت مقتل ابن لابدن دون أن يروا جثة أو حتي صورة بينما نري نحن المصريين مبارك في القفص ولا نصدق أنكم تحاكمونه؟ بكل بساطة الشعب يريد التغيير ولا يريد السلطانية.