بعد أن ضاقت السُبل أمام تجار السموم البيضاء لنشاط الأجهزة الأمنية المكثف فى تضييق الخناق على بؤر الإجرام والكيف، لم يجد ذو الضمائر الخربة فى مدينة كوم أمبو بأسوان سوى الاستعانة بالشباب والأحداث من صغار السن لتوصيل المخدرات إلى المدمنين على طريقة الدليفري، ومن بين هؤلاء وقع اختيارهم على الشاب عمرو الذى لم يكد يكمل عامه التاسع عشر منذ أيام حتى سقط متلبسا ببانجو معد لتسليمه لبعض العملاء. شريط سيناريو حياة عمرو القصيرة بدأ مع استهلال الألفية الثالثة عندما استقبلته أسرته بالزغاريد وهى لا تدرى أن كل زغرودة أطلقتها سيدة من سيدات القرية ستتحول إلى نكد وندم وحزن شديد عندما يشب هذا الطفل ويصبح عاطلا، وبعد سنوات من ميلاده ألحقه أبوه بالتعليم الابتدائى الذى لم يفلح فيه وخرج منه منحرفا بسرعة البرق ليضمه والده فى أحضانه بدلا من أن يعنفه ويعيده إلى مدرسته مجددا، وبسبب الدلع والتدليل وعدم العقاب فقد أساء عمرو الأدب وبات مصدر قلق لأهله وجيرانه الذين ضاقوا ذرعا بسلوكه وتصرفاته دون أن يجدوا استجابة من أسرته التى كانت تتلقى الشكاوى يوميا، وعندما احتدم الأمر وتطور سلوك الولد الصغير من العنف إلى المخدرات كان لابد وأن يتدخل كبار العائلة من «أجاويد الخير» حتى يعيدوا السكينة والهدوء للقرية، ولم يفلح الساعون وفقد الجميع الأمل فى صلاحه ليخرج عمرو منبوذا يلاطم أمواج الحياة وهو فى سن مبكرة لم يشتد عوده بعد. وسريعا احتضنت قوى الشر الولد الصغير وبدأت فى تجهيزه للعمل موزعا للسموم البيضاء بدون أى اعتراض، خاصة أنه كان فاقدا للتركيز يبحث عن تدبير احتياجاته بأى وسيلة مهما كانت أبعادها، وبعد أن أتم برنامجه التدريبى بنجاح تم إلحاقه لدى أحد تجار البانجو المعروفين لتوصيل الكيف إلى المدمنين اعتمادا على أنه وجه جديد غير مألوف لدى أجهزة الأمن، وظل عمرو يؤدى مهمته بنجاح منقطع النظير وسط حالة من الإعجاب الشديد بنشاطه. وفى يوم من الأيام ساق القدر عمرو ليسقط فى براثن القضية الأولى التى لم تكن رادعة له، ومن هذه القضية تم تصنيفه ضمن المسجلين جنائيا فى أرشيف البحث الجنائى ليتم توصيفه مجرما عاطلا، وبتتبع نشاط تجار المخدرات وتحديدا البانجو، كان لرجال مباحث مركز كوم أمبو دور كبير فى تحجيم هذه التجارة المحرمة، ولأن الخير والشر سيظلان متضادين فى الحياة دائما، استمر عمرو فى توصيل الكيف دليفري، ومع نشاطه واصل رجال المباحث رصد تحركاته ليسقط مجددا فى 8 قضايا أخرى قادته فيما بعد للرقابة المشددة من خلال كل من الرائد وليد كمال والنقيب مراد الليثى اللذين توصلت تحرياتهما المكثفة إلى معلومات تفيد قيامه بتوصيل البانجو إلى عدد من زبائن أحد التجار عن طريق دراجة نارية. وبعرض التحريات على المقدم صالح عبد الحليم رئيس مباحث مركز كوم أمبو قام بإخطار اللواء إبراهيم مبارك مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن أسوان الذى وجه فورا إلى سرعة ضبطه. بعد تقنين الإجراءات، ترقبت مأمورية أمنية ظهور عمرو ليلا خلف إحدى الزراعات، وعند وصوله مستقلا دراجته النارية التى هى بلا لوحات معدنية، فوجئ برجال المباحث يحيطون به قبل أن يفلت منهم، حيث تم ضبطه وبحوزته البانجو، وأمام النيابة تم عرض المتهم ليأمر المحقق بحبسه!.