لن يكون قرار ترامب بأحقية إسرائيل فى فرض سيادتها على الجولان هو الأخير، فقد سبقه العديد من القرارات التى تصب جميعها فى مصلحة الكيان الصهوينى، وكان أولها الانسحاب من طرف واحد من الاتفاق النووى الإيرانى وتبنى وجهة نظر الصهاينة لتحجيم النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وثانيها: وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المعروفة اختصارا باسم «الأونروا»، فى خطوة تسببت فى خسارة الوكالة الأممية نحو 30 % من تمويلها، وثالثها: نقل السفارة الأمريكية للقدس فى تحد سافر لكل القرارات الأممية. وبالتأكيد ستكون هناك قرارات أخرى صادمة من ترامب فى القريب، ستعصف بالمنطقة العربية، فما زلنا نواجه المجهول، ونضرب الودع، بعد أن تحولت المنطقة إلى ساحة حرب بالوكالة بين القوى الدولية والإقليمية، لنهب ثرواتها والعبث بمستقبلها، وتقسيمها فرقاً وشيعاً؟. والسبب الرئيسى لما آل إليه حال المنطقة هو أننا ننظر تحت أقدامنا ولا نستفيد من التاريخ ولا من تجارب الآخرين، ونتصرف بعشوائية ونضع أنفسنا حقل تجارب للآخرين، ولعل ثورات الدمار العربى ليست ببعيدة. والسؤال الذى يطرح نفسه ويحتاج إلى إجابة شافية هو: إلى متى ستظل المنطقة العربية نهبًا للقوى الاستعمارية منذ فجر التاريخ ؟ وفى محاولة متواضعة للإجابة على هذا السؤال.. أقول: لابد أن يكون هناك دور فاعل لجامعة الدول العربية التى لا دور لها سوى الإدانة والشجب والاستنكار، واجتماعات بلا طائل ولابد من إنشاء كيان تحت مظلتها يضم خيرة العقول العربية فى مجال العلوم السياسية والتاريخ والخبراء الأمنيين والإستراتيجيين والقانونيين، يعمل على غرار مراكز الأبحاث الأمريكية، يدرس الوضع الراهن فى المنطقة العربية ويضع سيناريوهات مستقبلية للتعامل مع التحديات، بدلا من العشوائية الحالية، ولو كان هذا الكيان موجودًا لاستفدنا من تجارب الماضى ومن التاريخ الحديث، ولما تكررت مأساة رفض قرار التقسيم عام 1947 فى عام 1978، عندما عقد الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام اتفاقية السلام مع إسرائيل، ودعا الأطراف العربية الأخرى للتصالح، ولو استمع العرب وقتها للرئيس السادات، لكانت الجولان الآن تحت السيادة السورية، ولكانت هناك دولة فلسطينية ذات سيادة، ولما توغلت إسرائيل وأنشأت المئات من المستوطنات، ولما كانت القدس عاصمة للكيان الصهيونى الآن. ففى الوقت الذى يدير فيه اللوبى الصهيونى ومراكز الأبحاث الإسرائيلية أكبر دولة فى العالم وهى أمريكا، نجد أن جميع الرؤساء الأمريكيين بلا استثناء يخطبون ود إسرائيل ويتنافسون فيما بينهم على من سيقدم أكثر للدولة الصهيونية، فيما العرب فى سبات عميق، ويقدمون ثرواتهم وأموالهم للتقرب من أمريكا، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل نجد دويلة مثل قطر ترتمى بأرضها وأموالها وأذرعها الإعلامية كالجارية فى بلاط السيد الأمريكى. وأمام العرب الآن نموذج حى ومثل أعلى يحتذى به وهى مصر أم الدنيا، التى تؤمن قولاً وفعلاً بالتعايش السلمى واحترام حق الشعوب فى تقرير مصيرها، وتعمل برغم ظروفها الصعبة على وحدة الأراضى العربية وعدم تقسيمها وتفتيتها، فهى من تطالب بتسليح الجيش الوطنى الليبى، وهى من ترعى المصالحة الفلسطينية، وهى من تطالب بحق الشعب السورى فى تقرير مصيره. كلمة أخيرة كل التحية والتقدير لروح الرئيس السادات الذى خاطر بمصيره وحياته من أجل تحرير تراب الوطن، وكل التحية والتقدير للرئيس السيسى الذى يواصل الليل بالنهار لبناء الوطن والحفاظ على مقدراته.