** ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (1) يقول الإمام بن كثير فى تفسيرة يقول تعالى آمرا خلقه بتقواه، وهى عبادته وحده لا شريك له، ومنبها لهم على قدرته التى خلقهم بها من نفس واحدة، وهى آدم، عليه السلام (وخلق منها زوجها) وهى حواء، عليها السلام، خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها وأنست إليه. وفى الحديث الصحيح: « إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء فى الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وقوله «وبث منهما رجالا كثيرا ونساء» أى: وذرأ منهما، من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء، ونشرهم فى أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر. ثم قال تعالى (واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام) أى، واتقوا الله بطاعتكم إياه، وقال الضحاك: واتقوا الله الذى به تعاقدون وتعاهدون، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولكن بروها وصلوها، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، والضحاك، والربيع وغير واحد، وقرأ بعضهم «والأرحام» بالخفض على العطف على الضمير فى به، أى: تساءلون بالله وبالأرحام، كما قال مجاهد وغيره، وقوله (إن الله كان عليكم رقيبا) أى: هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم كما قال (والله على كل شيء شهيد) (البروج : 9 ). وفى الحديث الصحيح: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب، ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب (واحد) وأم واحدة، ليعطف بعضهم على بعض، ويحننهم على ضعفائهم، وقد ثبت فى صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر - وهم مجتابو النمار - أى من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال فى خطبته «ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة» حتى ختم الآية وقال «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله» (الحشر : 18) ثم حضهم على الصدقة فقال «تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره «وذكر تمام الحديث.وهكذا رواه الإمام أحمد. ** ** يجيب الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية فى حال امتلاء القبور يجب الدفن فى قبور أخري؛ لأنه لا يجوز الجمع بين أكثر من ميت فى القبر الواحد إلا للضرورة، ويجب الفصل بين الأموات بحاجزٍ حتى ولو كانوا من جنسٍ واحد. لكن إذا حصلت الضرورة فيمكن عمل أدوارٍ داخل القبر الواحد إن أمكن، أو تغطية الميت القديم بقَبْوٍ مِن طوبٍ أو حجارةٍ لا تَمَسّ جسمه، ثم يوضع على القَبْو الترابُ ويدفن فوقه الميت الجديد، وذلك كله بشرط التعامل بإكرامٍ واحترامٍ مع الموتى أو ما تبقى منهم؛ لأن حُرمة المسلم ميتًا كحُرمته حيًّا. واتفق الفقهاء على حرمة نبش قبر الميت قبل البِلَى لنقله إلى مكانٍ آخر لغير ضرورةٍ، وعلى جوازه للضرورة، على اختلاف بينهم فيما يُعَدُّ ضرورةً وما لا يُعَدُّ كذلك، وقرروا أن الحاجة تُنَزَّل منزلة الضرورة؛ خاصةً كانت أو عامة. فإذا وُجدت الضرورة أو الحاجة التى لا يمكن تحققها إلا بنقل الميت؛ كامتلاء المقابر: جاز نقله شرعًا، بشرط احترامه فى نقله؛ فلا يُنقَل على وجهٍ يكون فيه تحقيرٌ له، وبشرط عدم انتهاك حرمته؛ فتُستخدَم كل الوسائل الممكنة التى من شأنها أن تحفظ جسده وتستره، مع اللطف فى حمله، ويراعى بعد نقله أن يكون دفنه بالطريقة الشرعية؛ فالمنصوص عليه شرعًا أن الميت يدفن فى قبره لحدًا أو شقًا إن كانت الأرض صلبة، أما إن كانت الأرض رخوة - كما هو الحال فى مِصر وغيرها مِن البلاد ذات الطبيعة الأرضية الرَّخْوَة - فلا مانع مِن أنْ يَكون الدَّفنُ بطريقةٍ أخرى بشرْط أنْ تُحَقِّق المطلوب المذكور فى القبر الشرعى، وهذا هو الذى دَعَى أهلَ مِصر للُّجوء إلى الدَّفن فى الفَسَاقى مُنذ قُرون طويلة؛ لأنَّ أرض مِصر رَخْوَةٌ تَكثُر فيها المياه الجَوْفِيَّة ولا تَصلُح فيها طريقةُ الشَّق أو اللَّحْد، ولا حَرَجَ فى ذلك شرعًا كما نَصَّ عليه جماعةٌ مِن الأئمة الفقهاء مِن محققى المذاهب الفقهية المتبوعة. وبناءً على ذلك فإنه يجوز عمل أدوار داخل القبر الواحد إن أمكن، أو تغطية الميت القديم بقَبْوٍ مِن طوبٍ أو حجارةٍ لا تَمَسّ جسمه، كما يجوز عمل العظّامة عند الحاجة إليها، وليكن نقل الموتى حينئذ منوطًا بالحاجة بشرط بِلَى الأجساد؛ فتُنقَل الجثث البالية وعظامها إلى العظامة، دون الأجساد حديثة الدفن، مع وجوب التعامل بإكرامٍ واحترامٍ مع الميت أو ما تبقى منه؛ لأن حُرمة الإنسان ميتًا كحُرمته حيًّا.