دعت الشريعة الإسلامية للاعتدال في كل الأمور سواء في التعامل مع الخلق أو في العبادة واعتبرت الوسطية هي الفارق بين الاستجابة لشرع الله تعالي وبين رفضه وعدم الالتزام به لدرجة أنها ذمت الإسراف حتي في الحلال, لأنه وسيلة من وسائل الشيطان ومن أعظم أهدافه للإيقاع بالعبد في الشرك والكفر لقوله تعالي( كمثل الشيطان إذ قال للإنس اكفر فلما كفر قال إني بريء منك) فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفرو و فشل في ذلك, فإنه يعمد إلي إيقاعهم في الذنوب والمعاصي ومنها التبذير والإسراف, حيث وصف القرآن الكريم المبذرين بأنهم إخوان للشياطين وحول معني التبذير وحدوده وهل هو الإسراف وكيف حذر الإسلام من الوقوع فيها وأثرها وكيف عالج هذه القضية, يقول الشيخ عبد الناصر بليح من علماء وزارة الأوقاف إن لتبذير هو صرف المال في غير وجهه, أي صرفه فيما لا ينبغي صرفه فيه, كصرف المال في غير طاعة الله لكونه من مصاديق إهدار المال ومن مصاديق الفساد, والفرق بين التبذير والإسراف هو أن الإسراف يطلق علي تجاوز الحد في الإنفاق والصرف, لأن الحد المسموح به في الصرف والإنفاق هو ما ترتفع به الحاجة, فيكون الزائد إسرافا, و أما التبذير فهو الصرف في غير الوجهة الصحيحة. ويري بليح أن التبذيرأو الإسراف أنواع منها الإسراف في الطعام والشراب واللباس: لقوله تعالي: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه قال: إياكم والبطنة من الطعام والشراب; فإنها مفسدة للجسد, مورثة للسقم, مكسلة عن الصلاة, وعليكم بالقصد فيهما; فإنه أصلح للجسد, وأبعد من السرف, وإن الله تعالي ليبغض الحبر السمين, وإن الرجل لن يهلك حتي يؤثر شهوته علي دينه. الإسراف في المعاصي والذنوب: وإن ذلك يؤدي إلي القنوط من رحمة الله; قال تعالي: قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم, والثاني الإسراف في إنفاق الحلال: قال تعالي: كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين أي لا تسرفوا في الإعطاء, فتعطوا فوق المعروف, وقيل كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا, ثم تباروا فيه وأسرفوا, فأنزل الله: ولا تسرفوا, وقال ابن جريج: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس, جذ نخلا, فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته; فأطعم حتي أمسي وليست له ثمرة, فأنزل الله: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. والثالث الإسراف في القتل: قال تعالي: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا, قالوا: معناه: فلا يسرف الولي في قتل القاتل; بأن يمثل به, أو يقتص من غير القاتل, وقيل: فلا يتجاوز الحد المشروع فيه; بأن يقتل اثنين مثلا والقاتل واحد كعادة الجاهلية; فإنهم كانوا إذا قتل منهم واحد قتلوا قاتله وقتلوا معه غيره, والرابع الإسراف في أكل أموال اليتامي: قال تعالي: وابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا فعن ابن عباس أنه قال: يأكل الفقير إذا ولي مال اليتيم بقدر قيامه علي ماله ومنفعته له, ما لم يسرف أو يبذر, وعن ابن عمر أنه سأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال: ليس لي مال, وإني ولي يتيم؟ فقال:(( كل من مال يتيمك غير مسرف ولا متأثل مالا, ومن غير أن تقي مالك بماله. ويوضح الشيخ عبد الناصر بليح أن التبذير يستجلب غضب الله وسخطة ويكون من إخوان الشياطين ويصيب الإنسان بالضعف والخور وعدم القدرة علي تحمل الصعاب والشدائد, بالإضافة لجلب الأمراض للجسد والقسوة للقلب والخمول للفكر, كما يطبع المجتمع بطابع الانحلال والكسل والعجز; فيصبح عالة علي غيره, خاملا مبتعدا عن الاجتهاد والإبداع والتميز مشيرا إلي أن العلاج يتمثل في الاستسلام لأوامر الله سبحانه وتعالي, والابتعاد عما نهي عنه من الإسراف أو التبذير والتأمل في سيرة النبي صلي الله عليه وسلم, وأصحابه رضي الله تعالي عنهم, والتابعين, في وسطيتهم وتعاملهم مع الحياة. وتذكر أحوال المسلمين من الفقراء والمحرومين والمنكوبين والمكلومين في بقاع الدنيا; فهو كفيل لردع النفس عن السرف, ويشمل العلاج أيضا أن الابتعاد عن الوسط المسرف علي نفسه من المترفين والعصاة, والاقتراب من المنكسرة قلوبهم لربهم, المعتدلين في معاشهم, الاهتمام بتوجيه الزوجة وحضها علي سلوك الاقتصاد في المعيشة, وتربية الأولاد علي ذلك, وعدم الرضوخ لمتطلباتها التي تحمل في طياتها سرفا وتبذيرا. وضيف الشيخ إسلام النواوي عضو لجنة تجديد الخطاب الديني بوزارة الأوقاف أن الأسراف هو تجاوز الحد في أي فعل يقوم به الإنسان والتبذير من البذر وهو نثر الأشياء وتفريقها والإسلام جاء ليظهر الإنسان في أرقي مظاهر الإنسانية فإذا أسرف فإنه يكون عبدا لشهواته ولذلك كان علي رأس الحكمة من تحريم التبذير حتي لا يكون الإنسان عبدا لشهواته لان المسرف يفعل فعلا لا يحبه الله لقوله تعالي أنه لا يحب المسرفين لما ورد عن عمر بن الخطاب قوله إياكم والبطنة من الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم مكبلة عن الصلاة وعليكم بالقصد في الغني فإنه أصلح للجسد وأبعد عن الترف وإن الرجل ليهلك حتي يؤثر شهواته علي دينه ويتضح من ذلك أن المسرف تتحكم فيه شهواته فيتسبب ذلك في ضياع دينه ومن أخطر أنواع الإسراف, الإسراف في الذنوب لأنها تؤدي إلي القنوط من رحمة الله لقوله تعالي قل يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا. كان الغرض من التحريم أيضا المحافظة علي النعم حتي لا تستهلك سدي ويضيع حق الأجيال القادمة وهذا ينطبق علي الثروات الخاصة والعامة فعندما مرض سعد بن أبي وقاص ذهب رسول الله صلي الله عليه وسلم ليعوده قال سعد لرسول الله قد بلغني من الوجع ما تري فأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفتصدق بثلثي مالي؟ فقال صلي الله عليه وسلم له: لا, فقال له سعد فالثلث يا رسول الله فقال صلي الله عليه وسلم الثلث والثلث كثير, إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وفي الحديث ملمح عظيم عن أننا أمناء فيما بين أيدينا من مال ونعم لمن خلفنا وأنه أمانة في اعناقنا يسألنا عنها الله يوم أن نلقاه. ويشير الشيخ ناجي آدم من علماء الأزهر الشريف أن الشريعة الإسلامية كان من مقاصدها الحفاظ علي المال, حيث حضت علي أن يأتي من طريق صحيح لقوله لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع ومنها ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فقد أوضحت أن الأموال التي يتصدق بها لا تعطي للسفهاء حتي مع الأبناء والزوجة حتي ينظر الإنسان كيف يقومون بالإنفاق حتي النفقة في سبيل الله يجب معرفة من يحصل علي تلك الأموال وهي مشكلة مجتمعنا الآن. والتبذير ليس في المال فقط بل الذي يغضب والديه ويتجاوز الحد في الإيذاء بهما يصير مسرفا فقد نهي عن ذلك في قوله فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما فأصبح من الإيذاء والإسراف في النوم مبذر والذي لا يعطي الحقوق لأصحابها مبذر لقوله إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي المتشدد ومن ثم أصبح التبذير في العطاء والمحبة مع الأبناء أيضا إن لم يكن هناك مساواة وحتي مع الزوجة إذا زاد حبها وترك لها الحبل علي الغارب في الخروج من المنزل من أجل ذلك كانت الوسطية مطلوبة حتي لا يكون التبذير خطوة ووسيلة للشيطان يستخدمها ليصل بالإنسان للهاوية ولذلك وصف الله تبارك وتعالي المبذرين بإخوان الشياطين لأنهم لا يحافظون علي أموالهم ولا علي عقولهم ولا علي حياتهم فكانوا حقا إخوانا للشياطين يعيشون فقط دنياهم ولا ينظرون لآخرتهم لكن المسلم ينظر للآخرة فيكون بذلك وسطيا. ويري الدكتور أشرف فهمي المشرف العام علي أكاديمية الأوقاف, أن الشريعة الإسلامية حذرت من التبذير لخطورته علي الفرد والمجتمع, لأنه سبب من أسباب الهلاك ومحق البركات وزوال النعم وذلك لأن فيه طاعة للشيطان ومعصية للرحمن والمال في الإسلام وسيلة لتبادل المنافع بين الناس, وتقويم المجهود المبذول في العمل والجزاء عليه, حيث يتمكن به الإنسان من إشباع رغبات النفس, لقوله تعالي: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا فهو نعمه من الله تعالي علي العباد وجب إنفاقها في ما يرضيه. فكما حث الإسلام علي تحصيل المال من طريق شرعي كالتجارة والفلاحة والصناعة والحرف والصيد والوظائف, وحرم بعض الطرق الغير الشرعية كالغش, الرشوة, الربا, الاحتكار, السرقة, الظلم, تجارة المخدرات, القمار, تجارة الخمور دعا ايضا إلي إنفاق المال في الطرق الشرعية دون إفراط ولا تفريط, ونهي عن البخل والإسراف والتبذير قال تعالي ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. وهذه النعمة قد تكون نقمة إذا كان فيها إسراف وترف زائد عن الحد في ملذات الدنيا فتفسد الأخلاق وتنقطع العلاقات الأسرية ويسود التباغض فيؤدي للفساد, كما أن الفساد يعم المجتمع حينما يتم استغلال المال في الرشوة لمخالفة القانون, فالكثير من المشاكل سببها المال فكم من إخوان تفرقوا بسببه وكم من قضايا اكتظت بها المحاكم بسببه, وكم من بيوت هدمت بسببه وينسي العبد أنه موكل بحفظه والإنفاق علي نفسه وإسرته بالمعروف وأنه في امتحان من الله ليميز الخبيث من الطيب.