الإسراف هو التعدي عن القسط والعدل الذي هو الصراط فقد يكون بالكم وقد يكون بالكيف, فكما ان الأكل الكثير أو الإنفاق الزائد أو البناء الرفيع جدا الزائد عن الحاجة إسراف كذلك صرف النعمة في الحرام إسراف أيضا وإن لم يكن كمه كثيرا كشرب الخمر ونحوه. لأن استعمال النعمة في الحرام تعد عن طور العبودية وتجاوز عن العدل المأمور به وهو خصلة ذميمة وخلة مشينة جاء ذمها في كتاب الله تبارك وتعالي والتحذير من فعلها وذم أهلها وبيان ما أعد الله لهم من عقوبات في الدنيا والآخرة; ألا وهي: الإسراف, وفي القرآن الكريم ما يزيد علي العشرين موضعا في التحذير من الإسراف وذم المسرفين. يقول الدكتور نبيل عجيب من علماء وزارة الأوقاف هناك إسراف في العقيدة: وهو الذي اشير إليه في قوله تعالي: وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقي, طه127], وأيضا في قوله تعالي: كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب, غافر34], لأن التجاوز الاعتقادي في أحد الأصول الدينية إسراف. وإسراف بحسب قوة الغضب: إن الجبن ونحوه تفريط من القوة الغضبية, والتهور والنهب والاختطاف والاستلاب ونحو ذلك إفراط لها, والشجاعة ولزوم ما أمر به هو العدل والقسط في القهر والانتقام. ثم إنه قد عد في القرآن الكريم غير واحد من موارد الإسراف في القهر والغضب, نحو قوله تعالي: وان فرعون لعال في الارض وانه لمن المسرفين, يونس83], حيث إن آل فرعون كانوا يذبحون أبناء المستضعفين ويستحيون نساءهم ويسومونهم سوء العذاب. ونحو قوله تعالي: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطنا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا, الإسراء33], فلو قتل ولي الدم جماعة بواحد كان إسرافا في القتل وإفراطا في الغضب. وإسراف بحسب قوة الشهوة: وقد نهي فيها عن الإسراف في الإنفاق لأنه تعد مذموم. والجامع في ذلك كله قوله تعالي: والذين اذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. فأخبر الله جل وعلا أنه لا يحب أهل الإسراف; قال الله تعالي: ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين, الأعراف31]. وأخبر جل وعلا بأن المسرفين هم أهل النار; قال الله تعالي: وأن المسرفين هم أصحاب النار, غافر43]. وأخبر جل وعلا أن الإسراف سبب لهلكة أهله وحلول العقوبة بهم في الدنيا والآخرة; قال الله تبارك وتعالي: ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين, الأنبياء9] وأخبر جل وعلا أن الإسراف من تزيين النفس الأمارة بالسوء وتزيين الشيطان; قال الله تعالي: كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون, يونس12]. وأخبر سبحانه وتعالي أن الإسراف موجب للحرمان من الهداية والتوفيق من الله جل وعلا, قال الله تعالي: إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب. ويشير نبيل إلي أن أخطر الإسراف وأشنعه: الكفر بالله رب العالمين والإشراك به باتخاذ الأنداد وتكذيب الرسل والنبيين; قال الله تعالي: وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقي, طه127]. ومن الإسراف: الإسراف في القتل; بأن يقتل غير القاتل, أو أن يتعدي علي ذوي القاتل ظلما وبغيا, أو أن يتعدي علي القاتل نفسه تمثيلا وتجاوزا وتعديا; فكل ذلكم إسراف محرم, قال الله تعالي: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا, الإسراء33]. ومن الإسراف: فعل الفواحش واقتراف الرذائل, ولذا قال لوط عليه السلام في نصحه لقومه وتحذيره لهم: إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون, الأعراف81], وقال الله جل وعلا في ذكر سياق حلول العقوبة بهم: قال فما خطبكم أيها المرسلون* قالوا إنا أرسلنا إلي قوم مجرمين* لنرسل عليهم حجارة من طين* مسومة عند ربك للمسرفين, الذاريات3431]. وأما الإسراف في النواحي المالية والمطاعم والمشارب والملابس ونحو ذلك فباب مشهور معلوم; قال الله تبارك وتعالي: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين, الأعراف31]. والإسراف في الأموال والمطاعم والمشارب والملابس هو كل تعد في هذا الباب سواء في سبل تحصيلها أو في طرائق إنفاقها وبذلها, فكل ذلكم يدخله الإسراف; إذ إن كل تجاوز لحد الشرع في ذلك سواء اكتسابا لهذه الأموال أو إنفاقا لها فهو من الإسراف وصاحبه معرض للعقوبة. ويقول الدكتور حمادة القناوي من علماء وزارة الأوقاف الإسراف من الصفات المذمومة التي نهي الشارع عنها وهو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر. قال تعالي محذرا عباده من الإسراف: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين, الأعراف31]. قال بعض العلماء: جمع الله الطب في نصف آية: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا.... قال ابن كثير: أي لا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن. وفرق بعض العلماء بين التبذير والإسراف الذي جاء النهي عنه في قوله تعالي: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا, الإسراء27]. فقالوا: إن التبذير هو صرف الأموال في غير حقها, إما في المعاصي; وإما في غير فائدة لعبا وتساهلا بالأموال, أما الإسراف فهو الزيادة في الطعام والشراب واللباس في غير حاجة. ومنها الإسراف في استخدام نعمة الماء, روي البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد, ويغتسل بالصاع إلي خمسة أمداد. المد: ملء كفي الرجل الممتلئ وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم المؤمن أن يزيد علي وضوئه ثلاث مرات. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أنفقت علي نفسك وأهل بيتك, في غير سرف ولا تبذير,وما تصدقت به, فهو لك. وما أنفقت رياء وسمعة, فذلك حظ الشيطان. وقال ابن الجوزي: العاقل يدبر بعقله معيشته في الدنيا, فإن كان فقيرا اجتهد في كسب وصناعة تكفه عن الذل للخلق, وقلل العلائق, واستعمل القناعة; فعاش سليما من منن الناس, عزيزا بينهم, وإن كان غنيا, فينبغي له أن يدبر في نفقته; خوف أن يفتقر, فيحتاج إلي الذل للخلق.... ومن الإسراف الذي يقع فيه بعض الناس: الإسراف في الولائم, وحفلات الزواج, وغيرها من المناسبات, صغيرة أو كبيرة; حيث تقدم بها الأطعمة أكثر من الحاجة.