تعد السنة النبوية بعد القرآن الكريم المصدر الثاني للمعرفة, سواء أكانت المعرفة الدينية أم التشريعية أم النفسية والاجتماعية, وبذلك يمكن القول: إن السنة النبوية تعد نظرية متكاملة للمعرفة. ولا شك أن المعرفة النفسية والاجتماعية من أهم جوانب نظرية السنة; لأنها تشكل عقل المسلم ووجدانه, وتمنحه القدرة علي التميز والتفرد عن غيره من البشر; لما تقدمه من قوانين وآداب للسلوك الفردي والاجتماعي في أسمي صوره وأكمل حالاته. وفي هذا الصدد يأتي تساؤل محمد أسد في كتابه( الإسلام في مفترق الطرق): ما المعني الروحي لذلك النظام المفصل من القوانين وآداب السلوك التي جاءت بها السنة, والتي يجب أن تتخلل حياة المسلم منذ ولادته إلي يوم وفاته, والتي يجب أن تحدد له سلوكه في أهم نواحي وجوده, وفي أقلها أهمية علي السواء؟ وما الخير في أن يأمر الرسول صلي الله عليه وسلم أتباعه بأن يفعلوا كل شيء كما كان هو يفعله؟ ما الفرق في أن آكل باليد اليمني أو باليد اليسري, إذا كانتا كلتاهما نظيفتين علي السواء؟ أليس هذا وأمثاله من الأمور الشكلية الخالصة, أو لها صلة ما بتقدم البشر أو بخير المجتمع؟ وإذا لم تكن كذلك, فلماذا فرضت علينا؟ إن من أهم الأسباب الداعية إلي الالتزام بالسنة: تمرين الإنسان بطريقة منظمة علي أن يحيا دائما في حال من الوعي الداخلي واليقظة الشديدة وضبط النفس; فإن الأعمال والعادات التي تقع عفو الساعة تقوم في طريق التقدم الروحي للإنسان كأنها حجارة عثرة في طريق الجياد المتسابقة, إن هذه الأعمال والعادات يجب أن تقل إلي أقصي حدودها; لأنها تتلف التوجيه الروحي للفكر; فكل شيء نفعله يجب أن يكون مقدورا بإرادتنا, وخاضعا لمراقبتنا الروحية, ولكن قبل أن نتوصل إلي ذلك يجب أن نتعلم مراقبة أنفسنا. إن محاسبة النفس هي أولي الخطوات في هذا السبيل, وإن أوثق الوسائل للتمرين علي محاسبة النفس أن تخضع أعمالنا التي تجري في حياتنا اليومية بحكم العادة وبغير مبالاة- ظاهرةللمراقبة. إن هذه( الصغائر) وتلك الأعمال والعادات( القليلة الأهمية) هي في الحقيقة, فيما يتعلق بالمران العقلي الذي نتكلم عليه أكثر أهمية من أوجه النشاط( العظمي) في حياتنا; إذ إن الأمور العظمي بالإضافة إلي عظمها تبقي دائما بادية بوضوح, وتظل غالبا في نطاق وعينا, ولكن تلك الأمور( الصغيرة) تغرب بسهولة عن بالنا, وتخدعنا عن مراقبتنا لها; من أجل ذلك كانت تلك الصغائر أشياء أكثر نفعا لنا في شحذ قوة ضبط النفس فينا. قد لا يكون المهم في ذاته أن نأكل بأي اليدين, ولكن إذا اعتبرنا التنظيم فمن أشد الأمور أهمية أن تأتي أعمالنا مقدرة بنظام, إن كسل العقل لا يقل في حقيقته عن كسل الجسم, فإذا سألت رجلا تعود حياة القعود أن يسير مسافة ما, فإنه لا يسير غير قليل حتي يتعب, ويصبح غير قادر علي أن يتابع مسيره, وليس هذا شأن من تعود في حياته كلها أن يمشي, ومرن علي ذلك, ثم لا يجد في هذا النوع من الجهد العضلي جهدا علي الإطلاق, بل يجد فيه عملا جسمانيا مستطابا كان قد تعوده من قبل. فهذا تعليل آخر يرينا: لماذا تشمل السنة كل ناحية من نواحي الحياة الإنسانية تقريبا؟