كل الأنبياء بلا استثناء اعتمدوا في إصلاحهم للخلق وتوجيههم للخالق سبحانه علي الرسائل القصيرة والكلمات القليلة الجامعة, فالعوام لا يطيقون كثير الكلام ولا تفصيلاته مثل الرجل الذي قال للنبي محمد عليه السلام أوصني وأوجز. وقد نقلت لنا الآثار بعض وصايا لقمان- رغم كونه وليا وليس نبيا- ومعظمها يدخل تحت هذا الباب, ومنها كذلك وصايا نوح ويعقوب ويوسف وهود وصالح عليهم السلام جميعا. أما أكثر الوصايا الجامعة التي وصلتنا فهي وصايا محمد والمسيح عليهما السلام لأنهما آخر الأنبياء وأكثرهم تابعا علي وجه الكرة الأرضية حتي الآن ومن أهم هذه الرسائل القصيرة المتتابعة ما يلي: قول سيدنا عيسي الله محبة ويقترب منه قول النبي محمدأفضل الأعمال الحب في الله ولن تدخلوا الجنة حتي تتحابوا. ومنها قول المسيح ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه وتطابقه حكمة القرآن قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وقول النبي التقوي هاهنا ويشير إلي صدره ثلاث مرات. ومنها قول المسيح في التسامح المطلقأحسنوا إلي مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم ويطابقه قوله تعالي علي لسان هابيل بن آدم إقرارا له لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين وقول النبي أمرني ربي أن أعفو عمن ظلمني وأن أعطي من حرمني وأن أصل من قطعني. ومنها قول المسيح اقرعوا يفتح لكم ويطابقها قول النبي من يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه وقوله:ومن يستعفف يعفه الله, ومن يتصبر يصبره الله, ومن يستغن يغنه الله. ومنها قول المسيح أنا ما جئت لأدعو أبرارا للتوبة بل خطائين ومنها قول النبي محمد إن الله تعالي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتي تطلع الشمس من مغربها. وأما المسيح فيهتف في الدنيا طوبي للرحماء فإنهم يرحمون ويردد معه محمد الراحمون يرحمهم الرحمن. ويقول المسيح طوبي للمساكين والمطرودين من أجل البر ويردد معه محمد تأكيدا وتوضيحا رب أشعت أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم علي الله لأبره. والمسيح يحذر من فضح الناس أو التكبر عليهم والاغترار بالعصمة والطاعة فيقول من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أما محمد فيقول للرجل الذي أتي بالزاني هلا سترته بثوبك ويقول عن المرأة الزانية بعد إقامة الحد عليها لقد تابت توبة لو وزعت علي سبعين من أهل المدينة لوسعتهم. وهذا المسيح يردد طوبي للودعاء فإنهم يرثون الأرض ويردد صداه محمد ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار؟ قالوا: بلي يا رسول الله, قال: كل هين لين, قريب, سهل. ويهتف المسيح ناصرا الضعفاء مثل المرضي والمعوقين وكبار السن وذوي العاهات حاملا راية احترامهم ومعاونتهم فيقول: طوبي للمساكين والمحرومين ويعضده ويؤازره في ذلك نبي الإسلام بقوله مادحا لهم: إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم. والمسيح يعلم البشرية الإحسان أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم ويهتف محمد بالإحسان إلي الذين حاولوا قتله واغتياله وعذبوا أصحابه وطردوهم من وطنهم الحبيب مكة بعد أن تمكن منهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. وهذا المسيح يقول ما جئت لأهلك بل أخلص أما النبي محمد فيقال له ادع علي دوس, ادع علي ثقيف فيجيب اللهم اهد دوسا, اللهم اهد ثقيفا, اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. وهذا المسيح يدعو إلي الإحسان اللا محدود واللا نهائي بقوله: وإن جاع عدوك فأطعمه, وإن عطش فاسقه, وإن كان عريانا فاكسه وهذا يتطابق مع صيحة القرآن في العالمين فمن عفا وأصلح فأجره علي الله وقوله تعالي فاصفح الصفح الجميل الذي لا عتاب بعده, وهتف محمد صلي الله عليه وسلم يعضد هتاف الإحسان الذي انطلق من قلب عيسي ولسانه ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا حتي لا يتوهم أحد أن العفو ضعف وهوان ولكنه عين القوة. صلي الله علي عيسي ومحمد عليهما السلام وسائر الأنبياء جميعا وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين.