من الطبيعي جدا أن تعصف الكوارث الطبيعية بالبشر هنا وهناك لكن من غير الطبيعي أن يشارك أصحاب القضية أنفسهم في الحصار والتجويع مرة بدافع التصدي للتبشير ومرة أخري جريا وراء مصالح قبلية ضيقة وصراعات مسلحة لانهاية لها. والضحية الوحيدة بين هذا وذاك الملايين الذين اختاروا الهروب من جحيم الحرب إلي جفاف لايرحم في انتظار مجتمع دولي يكتفي بالمشاهدة. لقد بدا الموقف وكأن سكان منطقة القرن الإفريقي كانوا في انتظار من يفاقم معاناتهم ويضيق عليهم الخناق اكثر وأكثر فبعد الحرق في أتون الحروب الأهلية والصراعات المسلحة جاء الجفاف ليعصف بمن تبقي ثم اكتمل المشهد الكارثي بجماعات وفصائل مسلحة من أهل البلاد كانت مهمتهم منع وصول المساعدات الإنسانية. فعندما تواجه20% علي الأقل من الأسر نقصا غذائيا خطيرا, وتتجاوز نسبة سوء التغذية ال30% وعندما يموت شخصان علي الأقل كل يوم من أصل10 آلاف شخص, يصبح مصطلح المجاعة فاعلا وتعلن المنطقة المنكوبة منطقة مجاعة. في هذه الأيام تعيش منطقة القرن الإفريقي وضعا كارثيا حيث يعصف الجفاف بنحو12 مليون شخص حسب تقديرات الأممالمتحدة التي تتحدث عن أخطر أزمة غذائية في القارة منذ المجاعة التي اجتاحت الصومال في1991 و1992 من القرن الماضي. وتؤكد الأممالمتحدة أن موجة الجفاف التي تضرب المنطقة الواقعة بين الصومال وكينيا وإثيوبيا هي الأسوأ في العشرين عاما الأخيرة مشيرة إلي أنه في جنوب الصومال وحده يواجه307 ملايين شخص خطر الموت جوعا. ويتميز مشهد المجاعة الكارثي في الصومال بخصوصية لافتة عن باقي مناطق القرن الإفريقي بخلاف أنياب الجفاف والصراعات المسلحة هذا التميز اللافت يرجع بالأساس لسيطرة جماعات مسلحة تبنت رفض استقبال المساعدات ومنع وصولها إلي مئات الالاف من الجائعين بدعوي رفض التبشير والتصدي لمحاولات التنصير ونشر المسيحية. وفي هذا السياق منعت حركة الشباب المجاهدين منذ نحو عامين منظمات إنسانية رئيسية مثل برنامج الغذاء العالمي من العمل في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. كما فرضت الحركة شروط عمل بالغة الصرامة علي المنظمات غير الحكومية القليلة أصلا والتي لاتزال موجودة في هذه المناطق. وتتهم حركة الشباب المنظمات الدولية بالمبالغة في تصوير الأزمة الإنسانية, وتندد بإعلان المجاعة في منطقتين بالصومال وتصف موقف المنظمات الدولية بإنه سياسي مشيرة الي ان جماعات الإغاثة التي طردتها من جنوب الصومال في2010 لا يمكنها العودة. وفي مقابل ذلك أعلن مسئولو برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أنهم يفكرون في إسقاط المواد الغذائية من الطائرات علي بعض المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب التي فرضت حظرا علي المعونات الغذائية. ونظرا لأن فرق الإغاثة لاتستطيع الوصول الي اكثر من مليوني صومالي يواجهون الموت جوعا جراء المجاعة جاء التحرك لإسقاط المساعدات باستخدام الطائرات وقالت المديرة التنفيذية للبرنامج جوزيت شيران إن هناك202 مليون شخص لم يتم الوصول إليهم بعد. وتضيف إنها أخطر بيئة عمل في العالم, لكن الناس يموتون, الأمر ليس متعلقا بالسياسة بل بإنقاذ الأرواح الآن. واخيرا سمحت الحركة بدخول المساعدات خوفا من رد فعل شعبي غاضب وسط اتهامات لأعضائها بالسعي للحصول علي رشي. واتهمت سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكيةبالأممالمتحدة سوزان رايس جماعة الشباب بالتسبب في تفاقم المشكلة لأنها منعت من إيصال المساعدات بشكل كاف للمناطق المتضررة, وفي حال سماحها بذلك فإنها تفرض رسوما علي ذلك وتقوم بالاعتداء وقتل العاملين في هذا المجال علي حد قولها. ** توجهات جهادية وحتي تتضح ملامح المشهد تجب الإشارة إلي طبيعية تكوين حركة الشباب الصومالية أو الشباب أو المجاهدون أو حركة المجاهدين أو حركة الشباب الإسلامي أو حركة الشباب المجاهدين أو جناح الشباب أو الشباب الجهاد أو وحدة الشباب الإسلامي حيث تكشف كل تلك المسميات عن دلالة رئيسية لفصيل صومالي مسلح له توجهات توصف بأنها جهادية. وأذا كانت تسميات هذا التنظيم الصومالي كثيرة فإن المعلومات المتوافرة عنه قليلة ويعود تأسيس الحركة إلي عام2004 حيث ظلت توصف بأنها الجناح العسكري للمحاكم الإسلامية خاصة في فترة استيلاء المحاكم علي أكثرية اراضي الجنوب الصومالي في النصف الثاني من عام.2006 وقد تسببت هزيمة المحاكم أمام مسلحي الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من طرف الجيش الإثيوبي في انشقاق الحركة عن المحاكم متهمة إياها ب التحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله. توصف الحركة بأنها سلفية جهادية وتهدف إلي إقامة دولة إسلامية, كما تصف الحركة في بياناتها الحكومة الصومالية المؤقتة بالمرتدة. كما تصف التقارير الغربية الحركة بأنها عضو في التنظميات الجهادية السلفية العالمية التي يوجد فيها مسلحون لا من الصومال فقط بل من دول عربية وإسلامية شتي. وقد أصبحت حركة الشباب الصومالية أقوي فصيل صومالي مسلح منذ القضاء علي المحاكم الإسلامية. وتذكر التقارير الغربية ان قادة الحرة قد تلقوا تدريبهم علي أيدي تنظيم القاعدة في أفغانستان. وتوصف عمليات الحركة العسكرية بأنها تعتمد الطريقة العراقية من تفجير عبوات مزروعة في الطرقات وسيارات مفخخة وعمليات قصف مدفعي. وتصف وزارة الخارجية الأمريكية حسب قرار صادر في29 فبراير2008 حركة الشباب الصومالية بأنها حركة إرهابية وأنها مجموعة عنيفة ووحشية تنتمي لتنظيم القاعدة. وهكذا يتواصل سقوط الصومال ومعه القرن الإفريقية في براثن الضياع وتكشف التطورات الجارية عن ملامح مشاهد قد تكون أكثر كارثية في ضوء الطريقة التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الموقف وهو ماجعل أناسا يموتون من التخمة بينما آخرون يموتون جوعا علي مرأي ومسمع من الجميع.