تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة احدي الركائز المهمة في بناء أي اقتصاد يقوم علي التنوع والقوة في ذات الوقت فضلا عن كونها المدرسة المناسبة لتخريج جيل جديد من رجال الأعمال بخبرات وامكانيات. فهي تؤهلهم لمواصلة مسيرة التقدم والازدهار والمساهمة في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية للامام.وقد اهتمت الدول المتقدمة بهذا النوع من المشروعات نظرا ليقينها التام بمدي فاعلية هذه المشروعات في تقوية وتعزيز اقتصادياتها وحققت ازدهارا كبيرا من النمو الاقتصادي واستطاعت ان تحقق قفزات كبيرة بسبب اهتمامها بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وجعلتها جزءا مهما وأساسيا من الثقافة الاقتصادية. وتمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة احدي القطاعات الاقتصادية التي تستحوذ علي اهتمام كبير من قبل دول العالم كافة والمنظمات والهيئات الدولية والاقليمية ووفقا لتقديرات البنك الدولي فان تلك المشروعات تشكل نحو80% من حجم المشروعات العالمية وتسهم بنسبة35% من الصناعات اليدوية في العالم. وتزيد نسبة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول المتقدمة علي90% من اجمالي عدد المشروعات العاملة, كما أنها تستوعب ما يزيد علي60% من القوي العاملة في هذه الدول. وفيما يتعلق بتجارب الدول المتقدمة في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة فقد فطنت الدول المتقدمة إلي أهمية تلك المشروعات فأولت اليابان أهمية كبيرة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها ركيزة اساسية للنهوض باقتصادها, وقد اصبحت تلك المشروعات تستوعب نحو84% من العمالة وتسهم بنحو55% من اجمالي قيمة الإنتاج. أما بالنسبة للتجربة الإيطالية فيوجد نحو2.5 مليون مشروع فردي صغير استطاع توفير نحو20 مليون فرصة عمل وفي الولاياتالمتحدة فقد وفرت المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من15 مليون فرصة عمل في نهاية التسعينيات من القرن الماضي وهو الأمر الذي خفف من حدة البطالة وآثارها السلبية وتستوعب تلك المشاريع الصغيرة نحو70% من قوة العمل الأمريكية وتسهم بنحو56% من الناتج المحلي. كما تسهم هذه المشروعات بأكثر من46% من اجمالي الصادرات في الصين. وفيما يتعلق بتجربة مصر في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة فانها محدودة للغاية نتيجة لعدة تحديات تواجه هذا النوع من المشروعات وهو الأمر الذي أدي لعدم تحقيق مصر أي عائد ملموس من جراء تلك المشروعات علي مدار20 عاما فلم تحقق أي تقدم في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة نظرا لعدم الاهتمام بها وغياب الرؤية الحقيقية لهيكل تلك المشروعات فقد بدأت مصر هذه التجربة منذ إنشاء الصندوق الاجتماعي لتوفير التمويل اللازم للمشروعات وتقديم الدعم لها إلا ان هذا الصندوق لم يحقق الهدف المرجو من إنشائه فانحصر تركيزه علي الحصول علي المنح والمعونات التي تقدم لمصر وإعادة اقراضها للبنوك التي تقوم بعملية تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة تتراوح بين7 و9% وفقا لنوعية المشروع إلا أن البنوك كانت تغالي في الضمانات عند منح أي قرض مما أعجز الكثير من الشباب واصحاب المشروعات عن تنفيذها. ووقف الصندوق عاجزا امام المشروعات الصغيرة والمتوسطة فلم يقم بأي مبادرة خلاقة للنهوض بتلك المشروعات مثل الدول التي استطاعت الاستفادة من هذه المشروعات وحققت تقدما ملحوظا في هذا المجال واصبحت تجارب تحتذي بها الدول الاخري وأكبر دليل علي قصور الصندوق الاجتماعي في القيام بدوره الاساسي ان المشروعات الصغيرة في مصر نسبة مساهمتها في اجمالي الصادرات لاتتعدي4% فقط مقارنة بنحو60% في الصين و56% في كوريا الشمالية و70% في هونج كونج و49% في كوريا الجنوبية. وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر تؤكد التجربة ان التمويل من أبرز التحديات التي تمثل عائقا امام تقدم تلك المشروعات والتوسع فيها حيث يشكو اصحاب المشروعات من عدم استطاعتهم في الحصول علي أي تمويل لتنفيذ أفكارهم في صورة مشروعات علي ارض الواقع بالاضافة إلي غياب الجهة التي تدعمهم ماديا ومعنويا فضلا عن ضعف الترابط والصلة مع المنشآت الصناعية الكبري وتدني القدرة التنافسية في ظل عدم وجود برامج تأهيلية وتدريبية لاصحاب هذه المشروعات. ومن العوامل التي تؤثر بالسلب ايضا علي المشروعات الصغيرة والمتوسطة غياب العلاقة التنظيمية المباشرة بين الجهات المتعددة لتكوين رؤية شاملة لمستقبل المشروعات الصغيرة والمتوسطة اضافة إلي القيود الإجرائية حيث تكثر الشكاوي من اضطرار المشروعات إلي التعامل مع المسئولين الحكوميين والمكاتب الحكومية المركزية والمحلية وعدم توافر المعلومات والبيانات لدي الجهات المعنية. وتشكل ايضا التشريعات والقوانين المنظمة لهذه المشروعات تحديا كبيرا لها فتلك المشروعات مازالت في وضع لا يسمح بنجاحها حيث ان المشروعات الصغيرة تحتاج في المقام الأول إلي التمويل فالعلاقة بينها وبين البنوك تنطوي علي الكثير من الاشكالات فيما يخص الضمانات وفترات السداد وبطء الإجراءات والبيروقراطية وغياب الخدمة التمويلية التي تلبي احتياجات قطاع المشروعات بالاضافة إلي غياب العملية التسويقية وارتفاع أسعار المواد الخام لتعدد الوسطاء التجاريين والمنافسة الشديدة من قبل الشركات الكبري وضعف القدرة التنافسية لهذه المشروعات, كما أن ضعف القدرة الرأسمالية اللازمة للترويج والمشاركة في المعارض الداخلية والخارجية وعدم امكان الدول في اسواق جديدة عوامل تؤثر علي المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل سلبي وتحد من فرص نجاحها. وينصح الخبراء والباحثون بالاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وذلك نظرا لدورها المحوري في عملية الإنتاج والتشغيل وادرار الدخل والابتكار والتقدم التكنولوجي علاوة علي دورها في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تطمح فيها أي دولة في العالم. ويقترح الخبراء تخفيف شروط الاقتراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والا يتم طلب ضمانات تعجيزية عند حصول العميل علي قرض من البنك وتخفيض أسعار الفائدة والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال واستطاعت تحقيق تقدم كبير في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الطريق الوحيد امام تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة بكل المقاييس.