أيام قلائل تفصلنا عن انطلاق فعاليات القمة الثالثة لمنتدي تعاون الصين إفريقيا, أو ما يعرف اختصاراFOCAC, بالعاصمة بكين, والتي من المزمع عقدها يومي3 و4 سبتمبر المقبل رافعة شعار الصين وإفريقيا.. نحو مجتمع أقوي بمصير مشترك عبر الشراكة المربحة للجميع بمشاركة عدد كبير من الدول الإفريقية, من بينها مصر, حيث سيشارك بالقمة وفد مصري رفيع المستوي يترأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينج. هذا فضلا عن الدعوة التي وجهتها بكين لكل من رئيس المفوضية الإفريقية والسكرتير العام للأمم المتحدة, ونحو27 منظمة دولية وإفريقية للمشاركة كمراقبين. وتستهدف القمة, التي وصفت رسميا بكونها الحدث الأكبر والأبرز الذي تستضيفه بكين هذا العام, وضع خارطة طريق من شأنها تعزيز آفاق التعاون الصيني الإفريقي وتقوية دعائمه بما يمهد السبيل أمام ربط مبادرة حزام واحد.. طريق واحد بأجندة الأممالمتحدة2030 للتنمية المستدامة وكذا أجندة الاتحاد الإفريقي2063 علي المستوي القاري وخطط التنمية في الدول الإفريقية علي المستوي الوطني. القاهرةبكين.. تعاون فعال وشراكة متنامية د. أحمد أمل مدرس العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة حرصت مصر منذ دورة الانعقاد الأولي لمنتدي التعاون الصيني الإفريقي عام2000 علي المشاركة بقوة في أعمال المنتدي في ظل ما تتمتع به من علاقات وطيدة مع الصين وفي ظل مكانتها المحورية بين الدول الإفريقية. وتشهد قمة بكين2018 مشاركة مصر بوفد رفيع المستوي برئاسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الذي يزور الصين للمرة الخامسة منذ توليه مهام منصبة في يونيو.2014 وتأتي المشاركة المصرية في منتدي التعاون الصيني الإفريقي لعام2018 في ظل عدد من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية والتي جعلت منها حدثا خاصا بالغ الأهمية في ظل ما يتوقع منها من عوائد كبيرة سواء علي الجانب المصري أو الإفريقي أو الصيني.. وتتعدد العوامل التي تؤكد أهمية المشاركة المصرية الفعالة رفيعة المستوي في منتدي التعاون الصيني الإفريقي حيث تتضمن: .1- رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي في دورته الجديدة عام2019 خلال أعمال القمة30 للاتحاد الإفريقي والتي عقدت في مقر الاتحاد في أديس أبابا في يناير من العام الجاري انتخبت مصر بالإجماع لرئاسة الاتحاد الإفريقي لعام.2019 ومنذ انتخابها أصبحت مصر عضوا في الترويكا الرئاسية للاتحاد والتي تضم رئاسة الاتحاد القائمة والسابقة عليها والتالية لها, الأمر الذي يعني أن عامي2018 و2019 سيمثلان علامة فارقة في مسار العلاقات المصرية الإفريقية, خاصة مع إعلان مصر المبكر عنإعداد أجهزة الدولة خطة عمل تفصيلية لرئاسة مصر للاتحاد. ويأتي هذا الاختيار ليعكس التطور الإيجابي في مكانة مصر قاريا حيث سبق أن انتخبت مصر لعضوية مجلس السلم والأمن الإفريقي, كما نالت مصر العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن عن قارة إفريقيا لعامي2016 و2017, كما تستضيف مصر في نهاية عام2018 فعاليتين مهمتين علي مستوي التكامل الاقتصادي الإفريقي هما مؤتمر الاستثمار في إفريقيا في شرم الشيخ, والمعرض التجاري الإفريقي الأول في القاهرة. وعلي الصعيد العالمي لاقت رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي لعام2019 ترحيبا من أطراف دولية مهمة من بينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن اعتزامه زيارة القاهرة بالتزامن مع تولي مصر رئاسة الاتحاد. كما رحبت الصين بهذا الحدث من خلال وزيرها المفوض للشئون الاقتصادية والتجارية بالقاهرة الذي أكد أن رئاسة مصر للاتحاد في العام المقبل من شأنها أن تلعب دورا رائدا في دفع إفريقيا لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة نظرا لمكانتها الكبيرة لدي الصين والدول الإفريقية علي حد سواء.علي هذه الخلفية تأتي مشاركة مصر في أعمال منتدي التعاون الصيني الإفريقي لعام2018 مختلفة عن مشاركتها السابقة حيث ستحرص فيها علي تعزيز المصالح الإفريقية للحد الأقصي لتأكيد فاعلية دورها كعضو في ترويكا رئاسة الاتحاد في الوقت الحالي, ولتعظيم فرص نجاحها في رئاسة الاتحاد بداية من يناير المقبل. .2 تحولات العلاقات الصينية الإفريقية تشهد العلاقات الصينية الإفريقية في السنوات الأخيرة عددا من مظاهر التحول سواء علي مستوي الشركاء أو مجالات الاهتمام. فبالرغم من الحرص الصيني الكبير علي بناء علاقات إيجابية بكل دول القارة الإفريقية علي المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف, اعتمدت الصين تقليديا علي عدد من الدول الإفريقية بعينها كركائز لإستراتيجيتها في إفريقيا. وإذا كانت العلاقات الصينية الإفريقية بشكل عام تسير وفق أنماطها الثابتة منذ بداية القرن الحادي والعشرين, إلا أن علاقة الصين باللاعبين الكبار من دول إفريقيا جنوب الصحراء شهدت مؤخرا بعد مظاهر التراجع بسبب تطورات الأوضاع الداخلية لدي هؤلاء الشركاء. فمنذ عام1991 كان نظام الجبهة الديمقراطية الثورية الحاكم في إثيوبيا شريكا أساسيا للصين سياسيا واقتصاديا وثقافيا حيث تبنت الجبهة رسميا النموذج التنموي الصيني كإطار عام لإستراتيجية التنمية الإثيوبية. وجاءت التحولات السياسية الأخيرة في إثيوبيا لتطرح العديد من التساؤلات بشأن استمرار الارتباط بين الجانبين علي نفس نمطه السابق خاصة مع سعي الولاياتالمتحدة لاستعادة دورها في التأثير علي الشأن الداخلي الإثيوبي. وبينما تعد جنوب إفريقيا أحد أبرز شركاء الصين في إفريقيا خاصة في المجال الاقتصادي, جاء تراجع مؤشرات الاقتصاد الكلي في جنوب إفريقيا في السنوات الأخيرة, وارتفاع حدة التوترات السياسية والاجتماعية ليضعف من قدرة جنوب إفريقيا علي لعب دورها المعتاد في العلاقات الصينية الإفريقية. وتعزز هذه المستجدات من قيمة الحضور المصري في منتدي التعاون الصيني الإفريقي في ظل التطور الكبير الذي تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين وفي ظل التحسن المطرد في مؤشرات الاقتصاد المصري. ومن بين التحولات الجديدة كذلك تعاظم الاهتمام الصيني بالأبعاد العسكرية والجيوسياسية لعلاقاتها بالدول الإفريقة. حيث شكل الإعلان عن بناء الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي في عام2015 نقطة تحول في السلوك الصيني التقليدي الذي طالما ركز علي الأبعاد الاقتصادية والتنموية والاجتماعية في العلاقات مع دول القارة, مؤثرا الابتعاد عن الجوانب العسكرية والسياسية. ومن شأن هذا التحول أن يعزز أهمية مصر في الإستراتيجية الصينية تجاه إفريقيا حيث تعد مصر القوة العسكرية الإفريقية الأولي والتي تلعب دورا محوريا في مجال حفظ السلم والأمن القاريين. كما يتركز التواجد العسكري الصيني في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي والتي تتمتع فيها مصر بتأثير كبير تصاعد منذ مطلع العام الجاري بعد التطورات الإيجابية في ملف مياه النيل. .3 التحديات الجديدة لتجارة الصين الدولية تأتي التحديات الجديدة علي صعيد التجارة الدولية لترفع من قيمة المشاركة المصرية في منتدي التعاون الصيني الإفريقي. فمنذ حملته الانتخابية تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعزيز اقتصاد بلاده عبر سلسلة من الإجراءات الحمائية كان الكثير منها موجها ضد الصين. وجاءت الإجراءات التي دخلت حيز التنفيذ في يونيو الماضي لتفرض رسوما علي الصادرات الصينية للولايات المتحدة قدرت بنحو34 مليار دولار. كما جاء التوجه الأمريكي لتبني سياسات مشابهة مع الاتحاد الأوروبي, بجانب العقوبات الاقتصادية ذات الأبعاد السياسية المفروضة علي روسيا لتجعل مستقبل التجارة الدولية الحرة عرضة للكثير من التهديدات المستقبلية. وفي هذا السياق اكتسب ملف تأمين التجارة الدولية الصينية أهمية متزايدة سعيا من الصين لتعويض خسائرها في السوق الأمريكية عبر تطوير وجودها في أسواق أخري حول العالم من بينها إفريقيا, وكذلك عبر تأمين الطرق الملاحية الضرورية لنقل البضائع الصينية. وتأتي هذه التطورات لتعزز من مكانة مصر في الإستراتيجية الصينية, إذ تعد مصر من أهم الشركاء التجاريين للصين في القارة الإفريقية, كما أنها تضمن فرص التجارة الدولية الصينية في النمو مستقبلا من خلال قناة السويس التي تؤمن التجارة بين الصين وأوروبا الأمر الذي أكده الموقع المحوري لمصر في مبادرة الحزام والطريق الصينية, وكذلك حرص الصين علي تعزيز العلاقات مع مصر والتي بلغت مستوي الشراكة الإستراتيجية الشاملة منذ عام2014, والاهتمام الصيني بمشروع قناة السويس الجديدة والمشاركة الفعالة في المشروعات التنموية الكبري بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وتجتمع هذه المتغيرات لتجعل من المشاركة المصرية في منتدي التعاون الصيني الإفريقي لعام2018 حدثا استثنائيا ينبئ بالكثير من مظاهر التقدم علي مستوي التعاون بين دول الجنوب, ويؤكد المكانة المصرية المتميزة علي الساحة العالمية عموما والإفريقية علي وجه الخصوص.